فاطمة و فقد أبيها
روى أحمد باسناده عن أنس، قال: «لما قالت فاطمة ذلك يعني لما وجد رسول الله من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرباه. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا بنيّه انّه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحداً لموافاة يوم القيامة»(1).
وروى الطيالسي عنه قال: «لما ثقل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قالت فاطمة: واكرباه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: انّه ليس على أبيك كرب بعد اليوم»(2).
وروى الحاكم النيسابوري باسناده عن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي عن أبيه عن جده أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه عن عليّ عليهم السلام: «انّ فاطمة رضي الله عنها لما توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كانت تقول: واأبتاه من ربّه ما ادناه، واأبتاه جنان الخلد مأواه، واأبتاه ربّه يكرمه اذا أتاه، واأبتاه الربّ ورسله يسلّم عليه حين يلقاه»(3).
قالت زينب بنت فوّاز: «ان فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صارت إلى قبر أبيها بعد موته ووقفت عليه وبكت ثمّ أخذت من تراب القبر فجعلتها على عينها ووجهها ثمّ أنشأت تقول:
ماذا على من شمّ تربة أحمد *** أن لا يشمّ مدى الزّمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها *** صبّت على الأيام عدن لياليا
ولها عليها السّلام، ترثي أباها صلّى الله عليه وآله وسلّم:
اغبر آفاق السماء وكورت *** شمس النهار وأظلم العصران
والأرض من بعد النبي كئيبة *** أسفا عليه كثيرة الأحزان
فليبكه شرق البلاد وغربها *** ولتبكه مضر وكل يمان
وليبكه الطود الأشمّ وجوّه *** والبيت ذو الاستار والأركان
يا خاتم الرّسل المبارك صنوه *** صلّى عليك منزّل القرآن»(4)
وروى أحمد باسناده عن أنس بن مالك: «انّ فاطمة بكت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقالت: يا أبتاه من ربّه ما ادناه، يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه»(5).
وروى الطّيالسي باسناده عن ثابت عن أنس قال: «قالت لي فاطمة: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب؟ قال ثابت: وقالت فاطمة ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الموت، أو قالت وهو ثقيل: يا أبتاه أنّ جبرئيل ينعاه، يا أبتاه من ربّه ما أدناه، يا أبتاه من جنان الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه»(6).
قالت زينب بنت فوّاز: «ولم تضحك فاطمة عليها السّلام بعد وفاة أبيها. قال في الجمان: روى أنّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أعطت جارية لها صدقة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقالت لها: إمضي إلى السوق بها وقولي: من يقبل صدقة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فمن قبلها فأتيني به، فمضت الجارية إلى السوق وقالت: من يقبل صدقة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال رجل مغربي أنا موضع صدقة آل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأعطته الصدقة»(7).
قال الخوارزمي: «ولما دفن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رجعت فاطمة إلى بيتها واجتمع اليها نساؤها فقالت: إنّا لله وانّا اليه راجعون، انقطع عنّا والله خبر السّماء ثمّ أنشأت تقول:
إغبر آفاق البلاد وكوّرت *** شمس النّهار واظلم العصران
والأرض من بعد النبي حزينة *** اسفا عليه كثيرة الرّجفان
فليبكه شرق البلاد وغربها *** ولتبكه مضر وكل يمان
نفسي فداؤك ما لرأسك مائلا *** ما وسدوك وسادة الوسنان
ووقفت على قبره فقالت:
ما ضرّ من قد شم تربة أحمد *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أنها *** صبّت على الأيام صرن لياليا»(8)
ودخلت فاطمة المسجد وطافت بقبر أبيها وهي تقول:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
انّا فقدناك فقد الأرض وابلها *** واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا *** فغاب عنّا فكل الخير محتجب
وكنت بدراً ونوراً يستضاء به *** عليك ينزل من ذي العزّة الكتب
تجهمتنا رجال واستخفّ بنا *** اذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت *** منّا العيون بتهمال لها سكب»(9)
(1) مسند أحمد ج3 ص141.
(2) مسند الطيالسي ج8 ص272 رقم 2045.
(3) المستدرك على الصحيحين ج3 ص163.
(4) الدر المنثور ص360.
(5) المسند ج3 ص197.
(6) مسند الطيالسي ج6 ص197 رقم 1374.
(7) الدر المنثور ص359.
(8) مقتل الحسين ج1 ص80.
(9) الاحتجاج ص92 ج1 طبعة بيروت.