فاطمة و عيادة الشيخين لها
قال ابن الفتال: «روي ان فاطمة عليها السّلام لا زالت بعد النبي معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبى صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة في كل ساعة وحين تذكره وتذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها وتنظر مرة إلى الحسن ومرة إلى الحسين وهما بين يديها فتقول: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ فانّا لله وانّا إليه راجعون، فقد والله جدكما وحبيب قلبي ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما. ثم مرضت مرضاً شديداً»(1).
قال ابن قتيبة الدينوري: «فقال عمر لأبي بكر رضي الله عنه: انطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد السلام فتكلم أبو بكر، فقال: يا حبيبة رسول الله، والله ان قرابة رسول الله أحب الي من قرابتي، وانك لأحب الي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده، افتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله، الا أني سمعت اباك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: لا نورث ما تركناه فهو صدقه، فقالت: أرأيتكما ان حدثتكما حديثاً عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قالت: فاني أشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما اليه، فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها»(2).
(1) روضة الواعظين ج1 ص181.
(2) الامامة والسياسة ج1 ص13.