عليٌ يقتله أشقى الناس
روى أحمد والحاكم بأسنادهما عن عمّار قال: «كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذات العشيرة، فلمّا نزلها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واقام بها، رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل فقال لي علي: يا أبا اليقظان، هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب فنمنا، فوالله ما أهبنا (ما ايقظنا) الاّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يحرّكنا برجله وقد تترّبنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي: يا أبا تراب، لما يرى عليه من التراب، قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: احيمر ثمود الذي عقر النّاقة، والّذي يضربك يا علي على هذه ـ يعني قرنه ـ حتى تبلّ منه هذه يعني لحيته»(1).
وروى الحاكم باسناده عن زيد بن أسلم: «أنّ أبا سنان الدؤلي حدثه انه عاد عليّاً رضي الله عنه في شكوى له اشتكاها قال: فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أميرالمؤمنين في شكواك هذه فقال: لكني والله ما تخوّفت على نفسي منه لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الصادق المصدوق يقول: انّك ستضرب ضربة ها هنا وضربة ها هنا ـ واشار إلى صدغيه ـ فيسيل دمها حتى تختضب لحيتك ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر النّاقة اشقى ثمود»(2).
وروى ابن عبد البر بأسناده عن عثمان بن صهيب عن أبيه: «انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي عليه السلام: من أشقى الأولين؟ قال: الّذي عقر النّاقة ـ يعني ناقة صالح ـ قال: صدقت، فمن اشقى الآخرين؟ قال: لا أدري، قال: الذي يضربك على هذا يعني يافوخه ويخضب هذه، يعني لحيته»(3).
وروى بأسناده عن عبيدة، قال: «كان علي رضي الله عنه إذا رأى ابن ملجم قال:
أريد حياته ويريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد
وكان علي رضي الله عنه كثيراً ما يقول: ما يمنع أشقاها، أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا؟ يقول: والله ليخضبّن هذه من دم هذا، ويشير إلى لحيته ورأسه، خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير»(4).
وروى بأسناده عن سكين بن عبد العزيز العبدي انّه سمع أباه يقول: «جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل علياً فحمله ثمّ قال:
أريد حياته ويريد قتلي *** عذيري من خليلي من مراد
أما انّ هذا قاتلي، قيل: فما يمنعك منه؟ قال: انّه لم يقتلني بعد، واتى علي رضي الله عنه، فقيل له: ابن ملجم يسمّ سيفه ويقول انّه سيفتك بك فتكة يتحدّث بها العرب، فبعث اليه فقال له: لم تسمّ سيفك؟ قال: لعدوّي وعدوّك، فخلّى عنه وقال: ما قتلني بعد»(5).
روى المتّقي عن علي: «لا تموت حتى تضرب ضربةً على هذه فتخضب هذه ويقتلك أشقاها كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان»(6).
وروى الثعلبي بأسناده عن الضحاك بن مزاحم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا علي أتدري من أشقى الأولين؟ قلت: الله ورسوله اعلم، قال عاقر الناقة، قال: أتدري من اشقى الآخرين؟ قال: قلت: الله ورسوله اعلم، قال: قاتلك»(7).
وروى ابن عساكر بأسناده عن أبي الطفيل «انّ علياً لمّا جمع الناس للبيعة جاء عبد الرحمان بن ملجم فردّه مرتين، ثم قال: ما يحبس أشقاها فوالله لتخضبنّ هذه من هذا»(8).
وروى باسناده عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه عن علي، قال «أتاني عبد الله بن سلام وقد وضعت قدمي في الغرز فقال لي: لا تقدم العراق فانّي أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف، فقال علي: وايم الله لقد اخبرني به رسول الله. قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قطّ محارباً يخبر بهذا عن نفسه»(9).
وروى بأسناده عن جوين الحضرمي قال: «عرض علي على الخيل فمرّ عليه ابن ملجم فسأله عن اسمه ـ أو قال عن نسبه ـ فانتمى إلى غير أبيه، فقال له: كذبت حتى انتسب إلى أبيه فقال: صدقت اما انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حدثني ان قاتلي شبه اليهود، هو يهودي فامضه»(10).
وبأسناده عن أبي جرير عن سعيد بن المسيب قال: «رأيت عليّاً على المنبر وهو يقول: لتخضبّن هذه من هذه! وأشار بيده إلى لحيته وجبينه فما يحبس أشقاها؟ قال: فقلت: لقد ادعى علي علم الغيب. فلما قتل علمت انّه قد كان عهد إليه»(11).
وروى الهيثمي باسناده عن جابر يعني ابن سمرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي: من أشقى ثمود؟ قال: من عقر الناقة، قال: من أشقى هذه الأمّة؟ قال: الله اعلم، قال: قاتلك…
وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلّي رضي الله عنه: انّك أمرؤٌ مستخلف وانّك مقتول وهذه مخضوبة من هذه، لحيته من رأسه»(12).
وروى بأسناده عن أبي الطفيل، قال: «دعاهم علي عليه السلام إلى البيعة فجاء فيهم عبد الرحمان بن ملجم وقد كان رآه قبل ذلك مرتين، ثم قال: ما يحبس أشقاها والذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه، وتمثل بهذين البيتين:
أشدد حيازيمك للموت *** فان الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت *** فانّ الموت آتيكا»(13)
وروى السمهودي باسناده عن صهيب عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «انه قال يوماً لعلي رضي الله عنه: من أشقى الأولين؟ قال: الذي عقر الناقة يا رسول الله، قال: صدقت. قال: فمن أشقى الآخرين؟ قال: لا علم لي يا رسول الله، قال: الذي يضربك على هذه، وأشار النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى يافوخه، فكان علي رضي الله عنه يقول لأهل العراق عند تضجّره منهم: وددت انّه قد انبعث اشقاكم فخضب هذه ـ يعني لحيته ـ من هذه ـ ووضع يده على مقدم رأسه ـ فكان عبد الرحمن بن ملجم المرادي من طائفة الخوارج أشقى الآخرين وكان فاتكاً ملعوناً، وكان علي رضي الله عنه في الشّهر الذي قتل فيه ـ وهو شهر رمضان من سنة أربعين ـ يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبدالله بن جعفر رضي الله عنهم، لا يزيد على ثلاث لقم ويقول: احبّ أن القى الله تعالى وأنا خميص، فلما كانت الليّلة التي قتل في صبيحتها أكثر الخروج والنّظر إلى السماء وجعل يقول: والله ما كذبت ولا كذبت وانها الليلة التي وعدت، فلمّا كان وقت السّحر وأذن المؤذّن بالصلاة خرج… فلمّا دخل المسجد اقبل ينادي: الصّلاة، الصّلاة، فشدّ عليه ابن ملجم، فضربه الضربة الموعود بها، وتوفّي رضي الله عنه ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان ودفن من ليلته. ثم دعى الحسن رضي الله عنه بابن ملجم من السجن فقتله»(14).
وروى الشنقيطي بأسناده عن عمّار بن ياسر «عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انه قال لعليّ رضي الله عنه: أشقى النّاس الّذي عقر النّاقة والّذي يضربك على هذا، ووضع يده على رأسه حتى يخضب هذه يعني لحيته»(15).
وروى ابن عساكر بأسناده عن علي، قال: «ألم يأن لأشقاها ليخضبّن هذه من هذه، يعني لحيته من رأسه»(16).
وروى البلاذري بأسناده: «انّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين من هذه الأمّة الذي يطعنك يا علي. وأشار إلى حيث طعن»(17).
(1) مسند أحمد ج4 ص263، المستدرك على الصحيحين ج3 ص140 ورواها النسائي في الخصائص ص39 مع فرق يسير.
(2) المستدرك على الصحيحين ج3 ص113 ورواها ابن عساكر في ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص276 رقم 1361 مع فرق، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص137.
(3) الاستيعاب القسم الثالث ص1125، ورواه البدخشي في نزل الأبرار ص29 وتحفة المحبين ص170 والشنقيطي في كفاية الطالب ص114.
(4) المصدر السابق ص1126.
(5) المصدر السابق ص1127.
(6) كنز العمال ج11 ص617 طبعة حلب، ورواه محمّد بن رستم في تحفة المحبين ص203 مخطوط.
(7) تفسير الثعلبي ص277 ذيل الآية 180 من سورة الأعراف.
(8 ـ 10) ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص279 رقم 1365 ورقم 1366 وص 293 رقم 1391.
(11) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص285 رقم 1375.
(12) مجمع الزوائد ج9 ص126.
(13) المصدر ج9 ص138.
(14) جواهر العقدين، العقد الثاني، الذكر الرابع عشر ص312.
(15) كفاية الطالب ص114.
(16) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص270 رقم 1348.
(17) أنساب الأشراف ج2 ص499 رقم 544.