عليٌ و عمله في الزراعة
قال أبو نعيم: «وكان علي إذا لزمه في العيش الضيق والجهد أعرض عن الخلق فاقبل على الكسب والكدّ».
وروى بأسناده عن مجاهد، قال: «خرج علينا علي بن أبي طالب يوماً معتجراً فقال: جعت مرّة بالمدينة جوعاً شديداً فخرجت اطلب العمل في عوالي المدينة، إذا أنا بامرأة قد جمعت مدراً تريد بلّه فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستّة عشر ذنوباً حتى مجلت يداي، ثمّ أتيت الماء فاصبت منه ثمّ أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها (وبسط اسماعيل يديه وجمعهما) فعدت لي ستّة عشر تمرة فاتيت النبي فاخبرته فأكل معي منها (وقال حمّاد بن زيد في حديثه) فاستقيت ستة عشر أو سبعة عشر، ثم غسلت يدي فذهبت بالتمر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال لي خيراً ودعا لي…».
وعن مجاهد عن عليّ قال: «جئت إلى حائط أو بستان فقال لي صاحبه: دلواً وتمرة، فدلوت، دلواً بتمرة، فملأت كفّي ثمّ شربت من الماء، ثمّ جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بملىء كفّي، فأكل بعضه واكلت بعضه»(1).
وروى الحافظ ابن مردويه باسناده عن أبي عيلان قال: «حدثني أبو سعيد وهو رجل شهد صفين قال: حدثني سالم المنتوف مولى علي قال: كنت مع عليّ في أرض له وهو يحرثها، حتّى جاء أبو بكر وعمر فقالا: سلامٌ عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقيل: كنتم تقولون في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال عمر: هو أمرنا بذلك»(2).
روى ابن عساكر بأسناده عن عكرمة عن ابن عبَّاس، قال: «بلغ علّي بن أبي طالب عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جوع فاتى رجلا ـ وفي الاصل: فأقام رجلا ـ من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً على سبعة عشر تمرة، ثمّ اتى بهنّ رسول الله فقال: يا رسول الله، بلغني ما بك من الشدّة، فأتيت رجلا من اليهود فاستقيت له سبعة عشر دلواً على سبعة عشر تمرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فعلت هذه حبّا لله ولرسوله؟ قال: نعم، قال: فأعد للبلاء أجفافاً يعني الصّبر»(3).
وروى سبط ابن الجوزي بأسناده عن سويد بن غفلة قال: «دخلت على علّي عليه السلام في هذا القصر ـ يعني قصر الامارة بالكوفة ـ وبين يديه رغيف من شعير وقدح من لبن، والرّغيف يابس تارة يكسره بيده وتارة بركبتيه، فشّق علي ذلك فقلت لجارية له يقال لها فضة: ألا ترحمين هذا الشيخ وتنخلين له هذا الشعير، أماترين نشارته على وجهه وما يعاني منه؟ فقالت: لأيّ شيء يؤجر هو ونأثم نحن انّه عهد الينا ان لا ننخل له طعاماً قطّ، فالتفت اليّ وقال: ما تقول لها يا ابن غفلة؟ فأخبرته وقلت يا أميرالمؤمنين أرفق بنفسك فقال لي: ويحك يا سويد، ما شبع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهله من خبز بر ثلاثاً حتى لقى الله ولا نخل له طعام قط. ولقد جعت مرة بالمدينة جوعاً شديداً، فخرجت اطلب العمل فإذا بامرأة قد جمعت مدراً تريد أن تبله فقاطعتها على دلو بتمرة، فمددت ستّة عشر دلواً حتّى مجلت يداي، وفي رواية، فمتحت ثمّ أخذت التمر واتيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبرته فأكل منه»(4).
قال ابن أبي الحديد: «وروي عنه أنّه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يده ويتصدّق بالأجرة ويشدّ على بطنه حجراً»(5).
روى الحضرمي بإسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيه: «انّ عمر اقطع عليّاً كرّم الله وجهه ينبع، ثمّ اشترى علي أرضاً إلى جنبه قطع وحفر فيها عيناً فبينما هم يعملون فيها اذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء فاتى علّي فبشر بذلك، فقال: بشروا الوارث، ثمّ تصدّق بها على الفقراء والمساكين وابن السبيل، وفي سبيل الله يوم تبيّض فيه وجوه وتسوّد وجوه ليصرف الله بها وجهه عن النار وليصرف النار عن وجهه»(6).
قال أبو جعفر الاسكافي: «وبلغ من صبره ما ان كان الجوع إذا اشتدّ به واجهده خرج حتى يؤجر نفسه في سقي الماء بكفّ تمر لا يسدّ جوعته ولا خلّته، فإذا أعطي اجرته لم يستبدّ به وحده حتّى يأتي به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبه من الجوع مثل ما به، فيشتركان جميعاً في أكله»(7).
روى المتّقي باسناده عن علي، قال: «أدلو الدلو بتمرة واشترط انّها مجلدة»(8).
(1) حلية الأولياء ج1 ص70 و 71.
(2) كتاب اليقين ص10.
(3) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ج2 ص449 رقم 966.
(4) تذكرة الخواص، الباب الخامس ص112.
(5) شرح نهج البلاغة طبع مصر ج1 ص7.
(6) وسيلة المآل ص270.
(7) المعيار والموازنة ص238.
(8) منتخب الكنز بهامش مسند أحمد ج5 ص56.