عليٌ و زهده
روى أبو نعيم باسناده عن الأصبغ بن نباتة، قال: «سمعت عمّار بن ياسر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علّي، انّ الله تعالى زيّنك بزينة لم تزين العباد بزينة أحبّ إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عزّوجل، الزهد في الدنيا، فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئاً ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضى بهم اتباعاً ويرضون بك إماماً»(1).
روى ابن عساكر باسناده عن سهل بن سعد السَّاعدي عن علّي بن أبي طالب عليه السلام قال: «جلست مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: يا أبا حسن، أيَّما أحبّ اليك؟ خمس مأة شاة ورعاتها اهبها لك، أو خمس كلمات اعلمكهنّ تدعو بهن؟ فقلت له: بأبي أنت وامّي، امّا من يريد الدنيا فيريد خمس مأة شاة، وامّا من يريد الآخرة فيريد خمس كلمات، قال فأيّهما تريد؟ قلت: الخمس كلمات، قال: فقل: اللهم اغفرلي ذنبي، وطيّب لي كسبي، ووسّع لي في خُلقي، ومتعني بما قسمت لي، ولا تذهب بنفسي إلى شيء قد صرفته عني»(2).
وروى بأسناده عن صالح بن أبي الأسود عمن حدّثه: «أنه رأى علياً قد ركب حماراً وأدلى رجليه إلى موضع واحد، ثمّ قال: أنا الّذي اهنت الدّنيا»(3).
وروى محب الدين الطبري باسناده عن علي عليه السلام «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحاتين وسقاء وجرتين. فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري، وقد جاء الله اباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه، فقالت: والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: ما حاجتك يا بنية؟ قالت: جئت لأسلّم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقالت: استحييت أن اسأله فأتيناه جميعاً، فقال علي: يا رسول الله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: وقد طحنت حتى مجلت يداي، وقد جاء الله بسبي وسعة فأخدمنا، قال: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصّفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعه وأنفق عليهم أثمانهم، فرجعا فأتاهما صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد دخل في قطيفتهما إذا غطت رؤسهما انكشفت أقدامهما وإذا غطت أقدامهما انكشفت رؤسهما، فثارا فقال: مكانكما، ثمّ قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلى، قال: كلمات علّمنيهنّ جبرئيل عليه السلام، فقال: تسبحان دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً وتكبران عشراً، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، وأحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، قال علي: فما تركتهن منذ علمنيهنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقيل له: ولا ليلة صفّين؟ قال؛ ولا ليلة صفّين»(4).
روى محب الدين الطبري باسناده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا علّي كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدّنيا وأكلوا التراث أكلا لمّا وأحبّوا المال حبّاً جمّاً واتخذوا دين الله دغلا وماله دولاً؟ قلت: أتركهم وما اختاروا، وأختار ما اختاره الله ورسوله والدّار الآخرة، وأصبر على مصيبات الدنيا وبلواها حتى ألحق بكم إن شاء الله تعالى، قال: صدقت اللّهم افعل ذلك به»(5).
قال محمّد صدر العالم: «أخرج الطبراني ان علياً أتي يوم البصرة بذهب وفضّة، فقال: ابيضي واصفري وغرّي غيري، غرّي أهل الشام غراً إذا ظهروا عليك، فشقّ قوله ذلك على الناس فذكر ذلك له فأذّن في الناس فدخلوا عليه، فقال: انّ خليلي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: يا عليّ، انك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيّين، ويقدم عليك عدوك غضاباً مقمحين. ثمّ جمع علي يده إلى عنقه يريهم الإقماح»(6).
وروى باسناده عن أبي سعيد، قال: «دخلت على علي وبين يديه ذهبٌ فقال: أنا يعسوب المؤمنين وهذا يعسوب المنافقين، وقال: بي يلوذ المؤمنون وبهذا يلوذ المنافقون «اليعسوب» هو أمير النحل وذكرها ثم كثر ذلك حتّى سمّوا كل رئيس يعسوباً»(7).
وقال: «وامّا زهده رضي الله عنه فهو من الأمور المشهورة التي اشترك في معرفتها الخاص والعام. واما ما رويناه عنه في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وغيره انّه رضي الله عنه، قال: لقد رأيتني وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وانّ صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار، وفي رواية أربعين ألف دينار، فقال العلماء رحمهم الله: لم يرد ـ رضي الله عنه ـ به زكاة مال يملكه، وانّما أراد الوقوف التي تصدق بها وجعلها صدقة جارية وكان الحاصل من غلتها يبلغ هذا القدر قالوا: ولم يدخر رضي الله عنه قطّ ما لا يقارب هذا المبلغ ولم يترك حين توفي الاّ ستمائة درهم وروينا انّه كان عليه ازارٌ اشتراه بخمسة دراهم»(8).
وروى الهيثمي باسناده عن عمّار بن ياسر، قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي: الله زينّك بزينة لم يزيّن العباد بزينة احبّ اليه منها وهي زينة الأبرار، الزهد في الدنيا، جعلك لا تملك من الدنيا شيئاً، وجعلها لا تنال منك شيئاً ووهب لك حبّ المساكين»(9).
وروى الوصّابي باسناده عن أبي صالح عن أبيه عن جده قال: «رأيت عليّاً اشترى تمراً بدرهم، ثم جعله في ملحفته فقيل يا أميرالمؤمنين: ألا نحمله عنك، قال: أبو العيال أحق بحمله»(10).
وروى سبط ابن الجوزي عن ابن عباس، قال: «دخلت عليه يوماً وهو يخصف نعله، فقلت له: ما قيمة هذا النعل حتى تخصفها؟ فقال: هي والله أحب إلي من دنياكم أو إمرتكم هذه، الاّ ان اقيم حقاً أو أدفع باطلا، ثم قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يخصف نعله ويرقع ثوبه ويركب الحمار ويردف خلفه»(11).
وروى بأسناده عن أبي النوار بايع الكرابيس، قال: «اشترى عليّ تمراً بدرهم فحمله في ملحفته فقال له رجل: أنا عنك احمله، فقال: لا، أبو العيال أحقّ أن يحمل حاجته، قال: وهو يومئذ خليفة»(12).
وروى بأسناده عن أبي أعور، قال: «عوتب علي على تقلله في الدنيا وشدة عيشه، فبكى وقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يبيت الليالي طاوياً وما شبع من طعام أبداً، ولقد رأى يوماً ستراً موشى على باب فاطمة رضي الله عنها فرجع ولم يدخل وقال: مالي ولهذا؟ غيبوه عن عيني، مالي وللدنيا. وكان يجوع فيشد الحجر على بطنه، وكنت أشدّه معه، فهل اكرمه الله بذلك أم اهانه؟ فان قال قائل: أهانه، كذب ومرق، وان قال: اكرمه، فيعلم ان الله قد أهان غيره حيث بسط له الدنيا وزواها عن أقرب الناس اليه واعزّهم عليه حيث خرج منها خميصاً، وورد الآخرة سليماً، لم يرفع حجراً على حجر ولا لبنة على لبنة، ولقد سلكنا سبيله بعده، والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قيل لي: ألا تستبدل بها غيرها؟ فقلت للقائل: ويحك اعزب، فعند الصباح يحمد القوم السّرى»(13).
وروى عن أبي أراكة: «وكان علي يمشي يوم العيد إلى المصلّى ولا يركب»(14).
وروى الوصابي باسناده عن عبدالله بن زرير، قال: «دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى فقرب الينا خزيرة، فقلت: أصلحك الله لو قربت الينا هذا البط يعني الأوز، فانّ الله قد أكثر الخير، قال: يا ابن زرير، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: لا يحلّ للخليفة من مال الله الاّ قصعتان قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين أيدي الناس»(15).
وروى بأسناده عن أبي حيَّان التميمي عن أبيه، قال: «رأيت علي بن أبي طالب على المنبر، يقول: من يشتري منّي سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته فقام اليه رجل فقال: أنا اسلفك ثمن ازار»(16).
قال أبو جعفر الاسكافي: «وكان علي عليه السلام يجمع الفقراء فيعطيهم الطعام ويجعلهم الرفقاء فإذا اخذوا امكنتهم جاء إلى رفقة منها، فقال: هل أنتم موسعون؟ فيقولون: نعم فيجلس فيأكل معهم، وقال: فمن بلغ هذه المنزلة، في تواضعه وزهده، يخدمهم بنفسه، ويقدّمهم قبله، ويكون دونهم في منازلهم»(17).
وروى المتقي باسناده عن زاذان عن علي «انه كان يمشي في الاسواق وحده وهو وال يرشد الضّال وينشد الضّال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال، فيفتح عليه القرآن ويقرأ: (تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً)(18) ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة على سائر النّاس»(19).
وروى بأسناده عن أبي عمرو بن العلاء عن أبيه، قال: «خطب علي، فقال:ايها الناس والله الذي لا اله الاّ هو، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيراً الاّ هذه وأخرج قارورة من كمّ قميصه فيها طيب، فقال: اهداها الّي دهقان»(20).
وروى باسناده عن أبي البختري: «انّ رجلا أتى علياً فاثنى عليه وكان قد بلغه عنه قبل ذلك شيء، فقال له علي لست كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك»(21).
روى الكنجي باسناده عن علي بن الحزور قال: «سمعت أبا مريم السلولي يقول: سمعت عمّار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: يا علي، ان الله قد زيّنك بزينة لم يتزين العباد بزينة احبّ الى الله منها الزهد في الدنيا وجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً ولا تنال الدنيا منك شيئاً ووهب لك حبّ المساكين فرضوا بك اماماً ورضيت بهم اتباعاً، فطوبى لمن احبك وصدق فيك، وويلٌ لمن أبغضك وكذب عليك، فامّا الّذين احبوك وصدقوا فيك جيرانك في دارك، ورفقاؤك في قصرك، وامّا الذين ابغضوك وكذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذّابين يوم القيامة»(22).
(1) حلية الأولياء ج1 ص71، ورواه المتقي في كنز العمال ج11 ص626 طبع حلب. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص75.
(2) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص441 رقم 950.
(3) المصدر ج3 ص202 رقم 1253.
(4) الرياض النضرة ج3 ص274.
(5) الرياض النضرة ج3 ص268.
(6) معارج العلى في مناقب المرتضى ص83 مخطوط.
(7) المصدر ص61 مخطوط.
(8) معارج العلى في مناقب المرتضى ص197.
(9) مجمع الزوائد ج9 ص121.
(10) أسنى المطالب، الباب الخامس عشر ص93 رقم20، ورواه المتقي في منتخب الكنز بهامش مسند أحمد ج5 ص56 وابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص200 رقم 1251.
(11) تذكرة الخواص ص115.
(12 ـ 14) تذكرة الخواص ص116 و 117 و 118.
(15) اسنى المطالب ص93 رقم 23، ورواه ابن عساكر ج3 ص187 رقم 1231.
(16) أسنى المطالب ص93، رقم 25.
(17) المعيار والموازنة ص240.
(18) سورة القصص: 83.
(19) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص56.
(20) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص54.
(21) المصدر ج5 ص56.
(22) كفاية الطالب ص191.