شهادة الإمام الحسن بن علي
روى ابن عساكر باسناده عن عمران بن عبد الله قال: « رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ففرح بذلك قال: فبلغ سعيد بن المسيب، فقال: ان كان رأى هذه الرؤيا، فقلّ ما بقي من أجله، فلم يلبث الحسن بعدها إلاّ أياماً حتى مات»(1).
روى الحاكم النيسابوري بأسناده عن أم بكر بنت المسور، قالت: «كان الحسن بن علي سمّ مراراً، كلّ ذلك يفلت حتى كانت المرّة الأخيرة التي مات فيها، فانه كان يختلف كبده»(2).
وروى ابن عساكر بأسناده عن يعقوب عن أم موسى: «أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم، فاشتكى منه شكاة قال: فكان يوضع تحته طست وترفع أخرى نحواً من أربعين يوماً»(3).
وروى محب الدين الطبري بإسناده عن قتادة قال: «دخل الحسين على الحسن، فقال: يا أخي، اني سقيت السم ثلاث مرات، لم أسق مثل هذه المرة اني لأضع كبدي، فقال الحسين: من سقاك يا أخي؟ فقال: ما سؤالك عن هذا تريد أن تقتلهم؟ أكلهم إلى الله عزّوجل.
وعن عمر بن إسحاق، قال: كنا عند الحسن فدخل المخدع ثم خرج، فقال: لقد سقيت السم مراراً ما سقيته مثل هذه المرة ولقد لفظت طائفة من كبدي(4) فرأيتني أقلبها بعود، فقال له الحسين: أي أخ، من سقاك؟ قال: وما تريد إليه؟ أتريد أن تقتله قال: نعم قال. لئن كان الذي أظن فالله أشد نقمة وان كان غيره فلا أريد أن يقتل بريء»(5).
قال ابن كثير: «فلما حضرته الوفاة قال الطبيب ـ وهو يختلف إليه ـ هذا رجلٌ قطع السم أمعاءه»(6).
وروى المجلسي بأسناده عن جنادة بن أبي أمية قال: «دخلت على الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السّلام في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طست يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله، فقلت: يا مولاي، مالك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبدالله بماذا أعالج الموت؟ قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم التفت إلي فقال: والله لقد عهد الينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ان هذا الأمر يملكه اثنا عشر اماماً من ولد علي وفاطمة، ما منامسمومٌ أو مقتول، ثم رفعت الطست وبكى صلوات الله عليه وآله.
قال: فقلت له: عظني يا ابن رسول الله، قال: نعم استعد لسفرك وحصل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، واعلم انك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك الاّ كنت فيه خازناً لغيرك.
واعلم أن في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فان كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها، وان كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة وان كان العتاب فان العتاب يسيرٌ.
واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، وإذا أردت عزاً بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان فاخرج من ذلك معصية الله إلى عز طاعة الله عزّوجل، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وان قلت صدق قولك وان صلت شد صولك، وان مددت يدك بفضل مدها، وان بدت عنك ثلمة سدها، وان رأى منك حسنة عدها وان سألته أعطاك وان سكت عنه ابتدأك وان نزلت احدى الملمات به ساءك، من لا تاتيك منه البوائق ولا يختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وان تنازعتما منقسماً آثرك.
قال: ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشيت عليه، ودخل الحسين عليه السّلام والأسود بن أبي الأسود فانكب عليه حتى قبل رأسه وبين عينيه، ثم قعد عنده فتسارا جميعاً»(7).
وروى الشيخ المفيد بأسناده عن المغيرة قال: «ارسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس: اني مزوجك ابني يزيد على أن تسمي الحسين وبعث اليها مأة ألف درهم، ففعلت وسمت الحسن عليه السّلام فسوغها المال ولم يزوجها من يزيد فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، وكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم وقالوا: يا بني مسمة الأزواج»(8).
قال ابن كثير: «كأن معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سماً»(9).
وروى ابن شهر آشوب: «بذل معاوية لجعدة بنت الأشعث الكندي وهي ابنة أم فروة أخت أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار وأقطاع عشرة ضياع من سقى سورى وسواد الكوفة على أن تسم الحسن عليه السّلام»(10).
وروى ابن عساكر بإسناده عن محمّد بن سلام الجمحي، قال: «كانت جعدة بنت الأشعث بن قيس تحت الحسن بن علي، فدس اليها يزيد أن سمي حسناً اني مزوجك، ففعلت فلما مات الحسن بعثت اليه جعدة تسأل يزيد الوفاء بما وعدها، فقال: إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا»(11).
وروى بإسناده عن رقبة بن مصقلة، قال: «لما حضر الحسن بن علي قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن حتى أنظر في ملكوت السماوات، فأخرجوا فراشه فرفع راسه فنظر فقال: اللهم اني أحتسب نفسي عندك فانها أعز الأنفس علي قال: فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده»(12).
روى الشيخ المفيد عن زياد المخارقي قال: «لما حضرت الحسن عليه السّلام الوفاة استدعى الحسين وقال: يا أخي اني مفارقك ولاحقٌ بربي وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست، واني لعارف بمن سقاني السم، ومن أين دهيت وأنا أخاصمه إلى الله عزّوجل، فبحقي عليك ان تكلمت في ذلك بشيء وانتظر ما يحدث الله عزّوجل في، فإذا قضيت فغمضني وغسلني وكفني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأجدد به عهداً ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد ـ رضي الله عنها ـ فادفني هناك، وستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيجلبون في ذلك ويمنعونكم منه، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم.
ثم وصى عليه السّلام إليه بأهله وولده وتركاته وما كان وصى به إليه أمير المؤمنين عليه السّلام حين استخلفه وأهله بمقامه ودل شيعته على استخلافه ونصبه لهم علماً من بعده، فلما مضى لسبيله غسله الحسين عليه السّلام وكفنه وحمله على سريره، ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فتجمعوا له ولبسوا السلاح، فلما توجه به الحسين عليه السّلام الى قبر جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليجدد به عهداً أقبلوا اليهم في جمعهم ولحقتهم عايشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم أتريدون أن تدخلون بيتي من لا أحب، وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خيرٌ من دعة، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ لا يكون ذلك أبداً، وأنا أحمل السيف، وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبين بني أمية، فبادر ابن عباس الى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت، فانا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لكنا نريد أن نجدد به عهداً بزيارته، ثم نرده إلى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيّته بذلك، ولو كان أوصى بدفنه مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلمت أنك أقصر باعاً من ردنا عن ذلك لكنه عليه السّلام كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير اذنه.
ثم أقبل على عائشة وقال لها: واسوأتاه، يوماً على بغل ويوماً على جمل، تريدين أن تطفئي نور الله وتقاتلي أولياء الله ارجعي فقد كفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين.
وقال الحسين عليه السّلام: والله لو لا عهد الحسن الي بحقن الدماء وأن لا أهريق في أمره محجمة دم، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مآخذها، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم وابطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا، ومضوا بالحسن عليه السّلام فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ـ رضي الله عنها»(13).
وروى ابن عساكر بأسناده عن أبي حازم قال: «لما حضر الحسن قال للحسين: أدفنوني عند أبي يعني النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلاّ أن تخافوا الدماء، فان خفتم الدماء فلا تهريقوا في دماً ادفنوني عند مقابر المسلمين»(14).
وروى الكليني بأسناده عن محمّد بن مسلم قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لما احتضر الحسن بن علي قال للحسين: يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأحدث به عهداً ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليها السّلام ثم ردني فادفني بالبقيع. واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعداوتها لنا أهل البيت.
فلما قبض الحسن عليه السّلام ووضع على سريره فانطلقوا به إلى مصلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى على الحسن عليه السّلام، فلما أن صلى عليه حمل فأدخل المسجد، فلما أوقف على قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلغ عائشة الخبر وقيل لها: انهم قد أقبلوا بالحسن بن علي عليه السّلام ليدفن مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرجت مبادرة على بغل بسرج، فكانت أول إمرأة ركبت في الإسلام سرجاً، فوقفت وقالت: نحوا ابنكم عن بيتي، فانه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حجابه، فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما: قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قربه، وان الله سائلك عن ذلك يا عائشة، إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليحدث به عهداً، واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ستره، لأن الله تبارك وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الرجال بغير إذنه وقد قال الله عزّوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)(15).
ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المعاول وقال الله عزّوجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى)(16) ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله بقربهما منه الأذى وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ان الله حرم من المؤمنين أمواتاً ما حرم منهم أحياء، وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جائزاً فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وان رغم معطسك.
قال: ثم تكلم محمّد بن الحنفية، وقال: يا عائشة يوماً على بغل ويوماً على جمل، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم، قال: فاقبلت عليه فقالت: يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين عليه السّلام: وأنى تبعدين محمّداً من الفواطم، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص ابن عامر، قال: فقالت عائشة للحسين عليه السّلام: نحّوا ابنكم واذهبوا به فانكم قومٌ خصمون، قال: فمضى الحسين عليه السّلام إلى قبر أمه ثم اخرجه فدفنه بالبقيع»(17).
وروى ابن عساكر عن جابر يقول: «شهدنا حسن بن علي يوم مات فكادت الفتنة أن تقع بين حسين بن علي ومروان بن الحكم، وكان الحسن قد عهد الى أخيه أن يدفن مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فان خاف أن يكون في ذلك قتال فليدفن بالبقيع، فأبى مروان أن يدعه، ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية بذلك، فلم يزل مروان عدواً لبني هاشم حتى مات»(18).
وروى محب الدين الطبري «قال أبو عمرو وغيره توفي الحسن بالمدينة سنة تسع وأربعين وقيل خمسين في ربيع الأول(19) وقيل: إحدى وخمسين وهو يومئذ ابن سبع وأربعين سنة منها سبع سنين مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وثلاثون سنة مع أبيه، وعشر سنين بعدها، وقيل: مات وهو ابن خمس وأربعين(20) وغسله الحسين، ومحمّد، والعباس بنو علي بن أبي طالب ودفن بالبقيع، وروي أنه أوصى ان يدفن إلى جنب أمه فاطمة بالمقبرة فدفن بالمقبرة إلى جنبها»(21).
وروى ابن عساكر بأسناده عن أبي عتيق قال: «قال أبو هريرة: أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه فمنع أكانوا قد ظلموه؟ قالوا: نعم، قال: فهذا ابن نبي الله قد جيىء به ليدفن مع أبيه… قال أبو هريرة: قاتل الله مروان. قال مروان: والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب أن يدفن مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد دفن عثمان بالبقيع. قال أبو هريرة: يا مروان: اتق الله ولا تقل لعلي إلاّ خيراً فاشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ليس بفرار» وأشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول في حسن: اللهم اني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.
قال مروان: انك والله قد أكثرت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الحديث فلا نسمع منك ما تقول فهلّم غيرك يعلم ما تقول، قال: قلت: هذا أبو سعيد الخدري، فقال مروان: لقد ضاع حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين لا يرويه إلاّ أنت وأبو سعيد الخدري، والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الاّ غلام، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيسير، فاتق الله يا أبا هريرة، قال: قلت: نعم ما أوصيت به وسكت عنه»(22).
وروى عنه بأسناده عن أبي إسحاق: «حدّثني مساور مولى بني سعد بن بكر، قال: رايت أبا هريرة قائماً على باب مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم مات الحسن بن علي ويبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس مات اليوم حبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فابكوا».
وروى عنه بأسناده عن عمر بن نعجة قال: «أول ذل دخل على العرب موت الحسن بن علي»(23).
قال الحاكم النيسابوري: «فلما مات أقام نساء بني هاشم النوح عليه شهراً قال ابن عمرو: ثنا جعفر بن عمر عن أبي جعفر، قال: مكث الناس يبكون على الحسن بن علي وما تقوم الأسواق. قال ابن عمر: حدثتنا عبيدة بنت نائل عن عائشة بنت سعد قالت: حدّت نساء الحسن بن علي سنة. قال ابن عمرو: ثنا داود ابن سنان سمعت ثعلبة بن أبي مالك قال: شهدنا الحسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع ولو طرحت أبرة ما وقعت الاّ على رأس إنسان»(24).
قال إبن الأثير: «ولما مات الحسن أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهراً ولبسوا الحداد سنة»(25).
قال ابن أبي الحديد: «قال جويرية بن أسماء: لما مات الحسن وأخرجوا جنازته، جاء مروان حتى دخل تحته فحمل سريره فقال له الحسين عليه السّلام: أتحمل اليوم سريره وبالأمس كنت تجرعه الغيظ؟ قال مروان: كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال»(26).
روى إبن عساكر بأسناده عن ابن السماك قال: «قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن يوم مات: رحمك الله أبا محمّد إن كنت لناصر الحق مظانه وتؤثر الله عند مداحض الباطل في مواطن اليقين بحسن الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتقبض عنها يداً طاهرة، وتردع ماردة أعدائك بأيسر المؤنة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة وقد صرت إلى روح وريحان وجنة نعيم.
أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسى عليه»(27).
قال الخوارزمي: «وقال الحسين يرثي أخاه الحسن
أأدهن رأسي أم أطيب محاسني *** ورأسك معفور وأنت تريب
وأستمتع الدنيا بشيء أحبه *** بلى كل ما أدنى إليك حبيب
فلا زلت أبكي ما تغنّت حمامة *** عليك وما هبت صبا وجنوب
وما هملت عين من الماء قطرة *** وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب
بكائي طويل والدموع غزيرة *** وأنت بعيد والمزار قريب
وليس حريباً من أصيب بماله *** ولكن من وارى أخاه حريب
غريب وأطراف البيوت تحوطه *** ألا كل من تحت التراب غريب
فلا يفرح الباقي ببعد الذي مضى *** فكل فتى للموت فيه نصيب»(28)
وروى ابن عساكر بأسناده عن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: «لما قبض الحسن بن علي بن أبي طالب وقف على قبره أخوه محمّد بن علي فقال: يرحمك الله أبا محمّد، فان عزت حياتك لقد هدت وفاتك ولنعم الروح روح تضمنه بدنك، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك، وكيف لا يكون هذا؟ وأنت سليل الهدى وحليف أهل التقى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك أكف الحق وربيت في حجور الإسلام ورضعت ثدي الإيمان، فطبت حياً وميتاً، وان كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك فلا نشك في الخيرة لك يرحمك الله، ثم انصرف رحمه الله عن قبره»(29).
قال ابن قتيبة: «فلما كانت سنة احدى وخمسين مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه، فكتب عامل المدينة إلى معاوية يخبره بشكاية الحسن، فكتب اليه معاوية: ان استطعت أن لا يمضي يوم يمر ألا يأتيني فيه خبره فافعل، فلم يزل يكتب اليه بحاله حتى توفي، فكتب اليه بذلك فلما أتاه الخبر أظهر فرحاً وسروراً حتى سجد وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد الله بن عباس وكان بالشام يومئذ فدخل على معاوية فلما جلس قال معاوية: يا ابن عباس هلك الحسن بن علي فقال ابن عباس: نعم هلك (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) ترجيعاً مكرراً وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله ما سد جسده حفرتك ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خيرٌ منك. ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيراً منه جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فجبر الله مصيبته وخلف علياً من بعده أحسن الخلافة ثم شهق ابن عباس وبكى من حضر في المجلس وبكى معاوية. فما رأيت يوماً أكثر باكياً من ذلك اليوم.
فقال معاوية: انه ترك بنين صغاراً، فقال ابن عباس: كلنا كان صغيراً فكبر،قال معاوية: كم أتى له من العمر؟ فقال ابن عباس: أمر الحسن أعظم من أن يجهل أحد مولده قال: فسكت معاوية يسيراً، ثم قال: يا ابن عباس أصبحت سيد قومك من بعده.
فقال ابن عباس: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا، قال معاوية: لله أبوك يا ابن عباس، ما استنبأتك الاّ وجدتك معدّاً»(30).
وروى الخوارزمي بإسناده عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: «لما جاء معاوية نعي الحسن بن علي استأذن ابن عباس على معاوية وكان ابن عباس قد ذهب بصره وكان يقول لقائده: إذا دخلت بي على معاوية فلا تقدني فان معاوية يشمت بي، فلما جلس ابن عباس قال معاوية: لأخبرنه بما هو أشد عليه من أن أشمت به ثم قال له: يا ابن عباس هلك الحسن بن علي فقال إبن عباس (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)وعرف ابن عباس أنه شامت به فقال: أما والله يا معاوية لا يسد حفرتك ولا تخلد، ولقد أصبنا بأعظم منه فجبرنا الله بعده ثم قام. قال معاوية: لا والله ما كلمت أحداً قط أعد جواباً ولا أعقل من ابن عباس»(31).
وروى ابن شهر آشوب بإسناده عن جعفر بن محمّد: «قال الحسن بن علي لأهل بيته: اني أموت بالسم كما مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال له أهل بيته: ومن الذي يسمك؟ قال: جاريتي أو أمرأتي، فقالوا له: أخرجها من ملكك عليها لعنة الله فقال: هيهات أن اخرجها ومنيتي على يدها، ما لي منها محيص ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها كان قضاء مقضياً وأمراً واجباً من الله، فما ذهبت الأيام حتى بعث معاوية إلى امرأته، قال: فقال الحسن: هل عندك من شربة لبن؟ فقالت: نعم، وفيه ذلك السم بعث به معاوية، فلما شربه وجد مس السم في جسده فقال: يا عدوة الله قتلتني قاتلك الله، أما والله لا تصيبين مني خلفاً ولا تنالين من الفاسق عدو الله اللعين خيراً أبداً»(32).
وروى الكليني بإسناده عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: «ان الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السّلام، وابنته جعدة سمت الحسن عليه السّلام، ومحمّد ابنه شرك في دم الحسين»(33).
قال ابن قتيبة: «قالوا: ثم لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن رحمه الله إلاّ يسيراً حتى بايع ليزيد بالشام، وكتب بيعته الى الآفاق، وكان عامله على المدينة مروان بن الحكم فكتب اليه يذكر الذي قضى الله به على لسانه من بيعة يزيد ويأمره بجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة ثم بايعوا ليزيد»(34).
(1) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص206 رقم 333. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص188.
(2) المستدرك على الصحيحين ج3 173.
(3) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص210 رقم 340.
(4) قال العلامة الشيخ باقر شريف القرشي: «لقد نصت الرواية ـ على تقدير ثبوتها ـ أن السم أثر في كبد الإمام عليه السّلام حتى قاء بعضاً منه، وقد تحقق في الطب الحديث أن السم لا يوجب قيء الكبد وانما يحدث التهاباً بالمعدة وتهيجاً في الأمعاء إذا كان التسمم حاداً وإذا كان غير حاد فانه يؤدي إلى هبوط في ضغط الدم، إلى التهاب في الأعصاب وقد يودي في أحوال نادرة إلى التهاب كبدي وغير ذلك من العوارض التي نص عليها الأطباء المختصون في الطب العدلي، وقد يتوهم أن هذا يتصادم مع ما جاء في الرواية، وهو مدفوع، فان الكبد في الاستعمالات العربية يطلق على الجهاز الخاص في الجانب الأيمن الذي يفرز الصفراء، كذلك يطلق على ما في الجوف بكامله كما جاء في (القاموس) وفي (تاج العروس) ما نصه: وربما سمى الجوف بكامله كبداً حكاه ابن سيده عن كراع أنه ذكره في المنجد وأنشد:
إذا شاء منهم ناسيء مدكفه *** إلى كبد ملساء أو كلفل نهد
قال: ومن المجاز الكبد الجنب، وفي الحديث: فوضع يده على كبده وانما وضعها على جنبه من الظاهر، وفي حديث مرفوع: «وتلقى الأرض أفلاذ كبدها» أي تلقى ما خبىء في بطنها من الكنوز والمعادن فاستعار لها الكبد وجاء ذلك ايضاً في (لسان العرب) وعلى ذلك فيكون المراد من الرواية أنه ألقى من جوفه قطعاً من الدم المتخثر تشبه الكبد، وبهذا ظهر عدم التنافي بين الرواية وبين ما ذكره الأطباء فيما نحسب، والله العالم.
(حياة الإمام الحسن ج2 ص475).
(5) ذخائر العقبى ص141.
(6) البداية والنهاية ج8 ص43.
(7) بحار الأنوار ج44 ص138 الطبعة الحديثة.
(8) الإرشاد ص174.
(9) البداية والنهاية ج8 ص43.
(10) المناقب ج4 ص29.
(11) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص211 رقم 341.
(12) ترجمة الحسن ص213 رقم 343.
(13) الإرشاد ص174.
(14) ترجمة الإمام الحسن بن علي من تاريخ مدينة دمشق ص217 رقم 351.
(15) سورة الحجرات: 2 و3.
(16) سورة الحجرات: 3.
(17) أصول الكافي ج1 ص302 رقم 3 باب الإشارة والنص على الحسين بن علي عليهما السّلام.
(18) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص216 رقم 349.
(19) وقال ابن شهر آشوب ومضى لليلتين بقيتا من صفر.
(20) وقيل سبعة وسبعون ستة وأشهر، وقيل ثمان وأربعون، المناقب ج4 ص43.
(21) ذخائر العقبى ص141.
(22) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص217 رقم 352.
(23) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص229 رقم 367 وص228 رقم 366.
(24) المستدرك على الصحيحين ج3 ص173.
(25) أسد الغابة ج2 ص15.
(26) شرح نهج البلاغة ج4 ص18 طبع مصر.
(27) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص233 رقم 369.
(28) مقتل الحسين ج1 ص142.
(29) ترجمة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص234 رقم 370.
(30) تاريخ الخلفاء الراشدين ج1 ص159.
(31) مقتل الحسين ج1 ص141.
(32) المناقب ج4 ص8.
(33) روضة الكافي ص167 رقم 187.
(34) تاريخ الخلفاء الراشدين = الإمامة والسياسة ج1 ص160.