البابُ السَّابع وَالثَلاثون
عليٌ (عليه السلام) وَالمناشدَة
1 ـ عليٌ عليه السّلام، والمناشدة في مسجد رسول الله (ص).
2 ـ عليٌ عليه السّلام، والمناشدة في الشّورى.
3 ـ عليٌ عليه السّلام، والمناشدة، بعد بيعة عثمان.
4 ـ عليٌ عليه السّلام، والمناشدة في الرّحبة.
5 ـ عليٌ عليه السّلام، والمناشدة في الكوفة.
المناشدة في مسجد رسول الله
روى الحمويني باسناده عن سليم بن قيس الهلالي قال: «رأيت علّياً عليه السلام في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في خلافة عثمان رضي الله عنه وجماعة يتحدّثون ويتذاكرون العلم والفقه، فذكروا قريشاً وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الفضل، مثل قوله: الأئمّة من قريش، وقوله، الناس تبعٌ لقريش، وقريش أئمّة العرب، وقوله: لا تسبّوا قريشاً، وقوله: ان للقرشي قوّة رجلين من غيرهم، وقوله: من أبغض قريشاً أبغضه الله، وقوله: من أراد هوان قريش اهانه الله، وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه، وما قال فيهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وذكروا ما قال في سعد بن عبادة، وغسيل الملائكة، فلم يدعوا شيئاً من فضلهم حتّى قال: كلّ حي منّا فلان وفلان.
وقالت قريش: منّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومنا حمزة ومنّا جعفر، ومنّا عبيدة بن الحرث، وزيد بن حارثة، وأبو بكر، وعمر، وعثمان وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة وابن عوف، فلم يدعوا من الحيّين أحداً من أهل السّابقة الاّ سمّوه!! وفي الحلقة أكثر من مأتي رجل فيهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة والزّبير والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة، وابن عمر، والحسن والحسين وابن عبّاس ومحمّد بن أبي بكر، وعبدالله بن جعفر.
وكان في الحلقة من الأنصار أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو أيّوب الانصاري وأبو الهيثم ابن التّيهان ومحمّد بن مسلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وعبدالله بن أبي أوفى، وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرّحمن قاعدٌ بجنبه غلام صبيح الوجه أمرد، فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة قال سليم: فجعلت أنظر إليه والى عبد الرحمان بن أبي ليلى فلا ادري ايّهما أجمل غير انّ الحسن اعظمهما واطولهما.
فأكثر القوم وذلك من بكرة الى حين الزّوال، وعثمان في داره لا يعلم بشيء ممّا هم فيه وعلّي بن أبي طالب ساكت لا ينطق هو ولا احدٌ من أهل بيته، فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك ان تتكّلم؟ فقال: ما من الحيّين الاّ وقد ذكر فضلا وقال حقّاً، فأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار بمن اعطاكم الله هذا الفضل؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم؟ قالوا: بل اعطانا الله ومنّ علينا بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وعشيرته لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا قال: صدقتم يا معشر قريش والأنصار، ألستم تعلمون، أن الذي نلتم من خير الدّنيا والآخرة منّا أهل البيت خاصّة دون غيرهم؟ وأن ابن عمّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: انّي وأهل بيتي كنّا نوراً يسعى بين يدي الله تعالى قبل ان يخلق الله تعالى آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثمّ حمله في السفينة في صلب نوح عليه السلام، ثمّ قذف به في النّار في صلب إبراهيم عليه السلام، ثمّ لم يزل الله تعالى عزّوجل ينقلنا من الأصلاب الكريمة الى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة من الآباء والأمّهات، لم يلق واحد منهم على سفاح قطّ، فقال أهل السّابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله أتعلمون أنّ الله عزّوجل فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية وانّي لم يسبقني إلى الله عزّوجلّ والى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحد من هذه الأمّة، قالوا: اللّهم نعم، قال: فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)(1)(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(2)، سئل عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعلي بن أبي طالب وصيّي أفضل الاوصياء، قالوا اللّهم نعم.
قال: فأنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(3). وحيث نزلت: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(4) وحيث نزلت: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً)(5)؟. قال النّاس: يا رسول الله، خاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر الله عزّوجلّ نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يعلّمهم ولاة أمرهم وأن يفسّر لهم من الولاية، ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجّهم، فينصبني للنّاس بغدير خمّ ثم خطب وقال:
أيّها الناس انّ الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت أنّ النّاس مكذّبي فأوعدني لأبلّغها أو ليعّذبني، ثمّ أمر فنودي بالصّلاة جامعة ثمّ خطب فقال: أيّها النّاس أتعلمون أنّ الله عزّوجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: قم يا علي، فقمت فقال: من كنت مولاه فعلي هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
فقام سلمان فقال: يا رسول الله ولاء كماذا؟ فقال: ولاء كولايتي، من كنت أولى به من نفسه، فعلّي اولى به من نفسه، فأنزل الله تعالى ذكره: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)(6). فكبّر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: الله أكبر تمام نبوّتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي. فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله هؤلاء الآيات خاصّة في علي؟ قال: بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قالا: يا رسول الله بيّنهم لنا. قال: عليّ أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أمّتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي، ثمّ ابني الحسن ثمّ الحسين ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا عليّ الحوض.
فقالوا كلّهم: اللّهم نعم قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء، وقال بعضهم: قد حفظنا جلّ ما قلت، ولم نحفظه كلّه، وهؤلاء الّذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا، فقال علي عليه السلام: صدقتم ليس كلّ النّاس يستوون في الحفظ، أنشد الله عزّوجل من حفظ ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما قام فأخبر به.
فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه وهو يقول: يا أيها النّاس إنّ الله عزّوجل أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيّي وخليفتي والّذي فرض الله عزّوجلّ على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي وأمركم بولايته واني راجعت ربّي خشية طعن أهل النّفاق وتكذيبهم فأوعدني لأبلّغها أو ليعذّبني.
يا أيّها النّاس انّ الله أمركم في كتابه بالصّلاة فقد بيّنتها لكم وبالزكاة والصّوم والحج فبينتها لكم وفسّرتها، وأمركم بالولاية وانّي اشهدكم انّها لهذا خاصّة ـ ووضع يده على عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ ثمّ لابنيه بعده، ثمّ للأوصياء من بعدهم من ولدهم، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا على الحوض.
ايّها النّاس قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي امامكم ودليلكم وهاديكم وهو أخي عليّ بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم فقلّدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فانّ عنده جميع ما علّمني الله من علمه وحكمته فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلّموهم ولا تتقدّموهم ولا تخلّفوا عنهم، فانّهم مع الحقّ والحقّ معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم، ثمّ جلسوا.
قال سليم، ثمّ قال علي عليه السلام: ايّها النّاس أتعلمون انّ الله أنزل في كتابه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(7) فجمعني وفاطمة وابنيّ الحسن والحسين، ثمّ القى علينا كساء وقال اللّهم هؤلاء أهل بيتي ولحمي يؤلمني ما يؤلمهم ويؤذيني ما يؤذيهم ويحرجني ما يحرجهم فأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً، فقالت أمّ سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: أنت إلى خير، انّما نزلت في وفي ابنتي وفي أخي علي بن أبي طالب وفي ابنيّ وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة، ليس معنا فيها لأحد شريك.
فقالوا: كلهم: نشهد أنّ أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فحدّثنا كما حدّثتنا أم سلمة. ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله أتعلمون ان الله أنزل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)(8) فقال سلمان: يا رسول الله عامةٌ هذا أم خاصّة؟ قال: أمّا المؤمنون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وامّا الصادقون فخاصَّة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة. قالوا: اللّهم نعم… قال: أنشدكم الله أتعلمون أنّي قلت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في غزوة تبوك: لم خلّفتني؟ قال: ان المدينة لا تصلح الا بي أو بك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى الاّ انّه لا نبي بعدي، قالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم الله، أتعلمون أنّ الله أنزل في سورة الحج: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(9).
فقام سلمان فقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس؟ الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الّدين من حرج وهم على ملّة أبيكم إبراهيم؟.
قال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمّة، قال سلمان: بينهم لنا يا رسول الله فقال: أنا وأخي علي وأحد عشر من ولدي، قالوا: اللّهم نعم، فقال: أنشدكم الله، أتعلمون انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قام خطيباً لم يخطب بعد ذلك، فقال: يا ايّها الناس، اني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فتمسّكوا بهما لن تضلّوا فانّ اللطيف الخبير، أخبرني وعهد اليّ أنّهما لن يتفرقّا حتى يردا عليّ الحوض، فقام عمر بن الخطّاب شبه المغضب، فقال: يا رسول الله أكلّ أهل بيتك؟ قال: لا ولكن أوصيائي منهم، أوّلهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمّتي وولّي كل مؤمن بعدي، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض، هم شهداء الله في أرضه وحجّته على خلقه وخزّان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله فقالوا كلّهم: نشهد انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ذلك، ثم تمادى لعلي السؤال فما ترك شيئاً الاّ ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كثيراً وكانوا في كل ذلك يصدّقونه ويشهدون انّه حقّ»(10).
(1) سورة التّوبة : 100 .
(2) سورة الواقعة: 10.
(3) سورة النساء: 59.
(4) سورة المائدة: 55.
(5) سورة التّوبة: 16.
(6) سورة المائدة: 3.
(7) سورة الاحزاب: 33.
(8) سورة التوبة: 119.
(9) سورة الحج: 77ـ78.
(10) فرائد السمطين ج1 ص312، ورواه القندوزي في ينابيع المودة الباب الثاني والثلاثون ص114.