إخبار أمير المؤمنين بقتل الحسين في كربلا
روى نصر بن مزاحم بإسناده عن هرثمة بن سليم قال: «غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين فلما نزلنا بكر بلا صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها، ثم قال: واهاً لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب، فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته وهي جرداء بنت سمير ـ وكانت شيعة لعلي ـ فقال لها زوجها هرثمة ألا أعجبّك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع اليه من تربتها فشمها وقال: واهاً لك يا تربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب، وما علمه بالغيب؟ فقالت: دعنا منك أيها الرجل فان أمير المؤمنين لم يقل الاّ حقاً. فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه الى الحسين بن علي وأصحابه، قال: كنت فيهم في الخيل التي بعث اليهم، فلما انتهيت الى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع اليه من ترابها، والقول الذي قاله فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين: معنا أنت أو علينا؟ فقلت: يا ابن رسول الله لا معك ولا عليك، تركت أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زياد فقال الحسين: فول هرباً حتى لا ترى لنا مقتلا، فوالذي نفس محمّد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجلٌ ولا يغيثنا أدخله الله النار، قال: فأقبلت في الأرض هارباً حتى خفي علي مقتله»(1).
وروى بإسناده عن أبي جحيفة قال: «جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب فسأله وأنا أسمع فقال: حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب، قال: نعم بعثني مخنف بن سليم إلى علي، فأتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده ويقول:ها هناها هنا فقال له رجلُ، وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: ثقلٌ لآل محمد ينزل ها هنا فويلٌ لهم منكم، وويلٌ لكم منهم، فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: ويلٌ لهم منكم: تقتلونهم، وويلٌ لكم منهم: يدخلكم الله بقتلهم إلى النار»(2).
وقد روي هذا الكلام على وجه آخر: «أنه عليه السّلام قال فويلٌ لكم منهم، وويلٌ لكم عليهم، قال الرجل: أما ويلٌ لنا منهم فقد عرفت، وويل لنا عليهم ما هو؟ قال: ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم»(3).
وروى باسناده عن الحسن بن كثير عن أبيه: «أن علياً أتى كربلاء فوقف بها، فقيل: يا أمير المؤمنين، هذه كربلاء قال: ذات كرب وبلاء ثم أومأ بيده إلى مكان فقال:ها هنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال:ها هنا مهراق دمائهم»(4).
روى ابن عساكر باسناده عن أبي عبيد الضبي قال: «دخلنا على أبي هرثم الضبي حين أقبل من صفين وهو مع علي وهو جالس على دكان له، وله امرأة يقال لها جرداء وهي أشد حباً لعلي وأشد لقوله تصديقاً، فجاءت شاة له فبعرت فقال: لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثاً لعلي!! قالوا: وما علم علي بهذا؟ قال: أقبلنا مرجعنا من صفين فنزلنا كربلا فصلى بنا علي صلاة الفجر بين شجيرات ودوحات حرمل، ثم أخذ كفاً من بعر الغزلان فشمّه ثم قال: أوه أوه يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب، قال أبو عبيد: قالت جرداء: وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك، نادت بذلك وهي في جوف البيت»(5).
روى ابن عساكر بإسناده عن هانىء بن هانىء «عن علي عليه السّلام قال: ليقتل الحسين بن علي قتلا واني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها، يقتل بقرية قريب من النهرين»(6).
روى الخوارزمي باسناده عن عبدالله بن المبارك «أن يحيى الحضرمي كان صاحب مطهرة علي بن أبي طالب فلما سار إلى صفين وحاذى نينوى، وهو منطلق إلى صفين نادى: صبراً أبا عبدالله صبراً أبا عبدالله وهو بشط الفرات فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعيناه تفيضان، فقلت: بأبي وأمي أنت ما لعينيك تفيضان؟ قال: قام من عندي جبرئيل آنفاً فأخبرني أن الحسين يقتل بالفرات وقال: فهل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم، فقبض قبضة من تراب وأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا»(7).
وروى بإسناده عن شيبان بن محزم وكان عثمانياً، قال: «إني لمع علي إذ أتى كربلاء فقال: يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء الاّ شهداء بدر».
وقال: «وذكر شيخ الإسلام الحاكم الجشمي أن أميرالمؤمنين علياً لما سار إلى صفين نزل بكربلا، وقال لابن عباس: أتدري ما هذه البقعة؟ قال: لا قال: لو عرفتها لبكيت بكائي، ثم بكى بكاء شديداً، ثم قال: ما لي ولآل أبي سفيان. ثم التفت إلى الحسين، وقال: صبراً يا بني، فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقى بعده»(8).
(1) وقعة صفين ص140.
(2 و 3) وقعة صفين ص141.
(4) المصدر ص142.
(5) ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تاريخ مدينة دمشق ص187 رقم 237.
(6) ترجمة الإمام الحسين من تاريخ مدينة دمشق ص188 رقم 238، والهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص190.
(7) مقتل الحسين ج1 ص170، ورواه أحمد في المسند ج1 ص85، والهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص187، والسيد شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل ص741، والسيوطي في الخصائص ج2 ص451 مع فرق.
(8) مقتل الحسين ج1 ص161 وص162.