7 ـ حُنين(1)
روى الكنجي باسناده عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: «أقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من غزوة حنين، فنزل عليه (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)(2) فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي ويا فاطمة بنت محمّد، قد جاء نصر آم والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجاً، سبحانه ربي وبحمده واستغفره انه كان تواباً، ويا علي بن أبي طالب، انّه يكون بعدي في المؤمنين الجهاد، فقال علي: ما نجاهد المؤمنين الذين يقولون آمنا؟ قال: على الأحداث في الدين إذا عملوا بالرأي ولا رأي في الدين»(3).
قال الشيخ المفيد: «ثم كانت غزاة حنين حين استظهره رسول الله صلّى الله عليه وآله فيها بكثرة الجمع، فخرج عليه السّلام متوجهاً إلى القوم في عشرة آلاف من المسلمين فظن أكثرهم انهم لن يغلبوا لما شاهدوه من جمعهم وكثرة عدتهم وسلاحهم، واعجب أبا بكر الكثرة يومئذ، فقال لن نغلب اليوم من قلة، وكان الأمر في ذلك بخلاف ما ظنوا وعانهم أبو بكر بعجبه بهم، فلما التقوا مع المشركين لم يلبثوا حتى انهزموا باجمعهم ولم يبق منهم مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الاّ عشرة انفس، تسعة من بني هاشم خاصة وعاشرهم ايمن بن أم ايمن فقتل ايمن رحمه الله عليه وثبتت التسعة الهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من كان انهزم، فرجعوا اولا فأولا حتى تلاحقوا وكانت لهم الكرة على المشركين وفي ذلك أنزل الله تعالى وفي اعجاب أبي بكر بالكثرة (وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(4) يعني أميرالمؤمنين علياً عليه السّلام ومن ثبت معه من بني هاشم وهم يومئذ ثمانية نفر أميرالمؤمنين عليه السّلام تاسعهم، والعبّاس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والفضل بن عبّاس عن يساره وأبو سفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند ثفر بغلته وأميرالمؤمنين عليه السّلام بين يديه بالسيف ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب حوله، وقد ولت الكافة مدبرين سوى من ذكرناه»(5).
قال الشيخ جعفر نقدي: «وعن سعيد بن المسيب عن أحد مشركي حنين قال: لما التقينا مع المسلمين لم يقفوا لنا حلب شاة فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم حتى انتهينا الى صاحب البغلة الشهباء يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فتلقانا رجال بيض الوجوه فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا فرجعنا وركبوا اكتافنا فكانوا اياها يعني الملائكة، ونادي مالك بن عوف اروني محمّداً فأروه فحمل عليه فلقيه ايمن بن عبيد وهو ابن ام ايمن فالتقيا فقتله مالك واتى إلى النبي ليضربه فبادره أميرالمؤمنين عليه السلام بالسيف على رأسه فخرج يلمع من بين رجليه. وكمن أبو جرول على المسلمين وكان على جمل احمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل امام هوازن إذا ادرك احداً طعنه برمحه وإذا فاته الناس رفعه لمن وراه وجعل يقتلهم وهو يرتجز ويقول: أنا أبو جرول لابراح. فصمد له أميرالمؤمنين عليه السّلام فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقدّه نصفين وجعل يقول:
قد علم القوم لدى الصياح *** أني لدى الهيجاء ذو نصاح
فانهزم القوم من بين يديه وكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول»(6).
ونقل ابن شهر آشوب عن ابن قتيبة في (المعارف) والثعلبي في (الكشف): ان الذين ثبتوا مع النبي يوم حنين بعد هزيمة الناس: علي والعبّاس والفضل ابنه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ونوفل وربيعة اخوه وعبد الله بن الزبير ابن عبد المطلب وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب وأيمن مولى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان العبّاس عن يمينه والفضل عن يساره وأبو سفيان ممسك بسرجه عند ثفر بغلته وسايرهم حوله وعلي يضرب بالسيف بين يديه»(7).
قال الأربلي عند ذكر هذه الغزوة: «فانظر إلى مفاخر أميرالمؤمنين في هذه الغزاة ومناقبه وجل بفكرك في بدايع فضله وعجايبه، واحكم فيها برأي صحيح الرأي صايبه، واعجب من ثباته حين فرّ الشجاع على اعقابه، ولم ينظر في الأمر وعواقبه، واعلم انه احق بالصحبة حين لم ير مفارقة صاحبه، وتيقن أنه إذا حم الحمام لم ينتفع المرء بغير اهله واقاربه، فإذا صح ذلك عندك بدلايله وبيناته، وعرفته بشواهده وعلاماته، فاقطع ان ثبات من ثبت من نتايج ثباته، وانهم كانوا اتباعاً له في حروبه ومقاماته، وان رجوع من رجع من هزيمته، فانما كان عندما بان لهم من النصر واماراته، وقتله ذلك الطاغية فية أربعين من حماته، حتى اذن الله يتفرقة ذلك الجمع وشتاته»(8).
قال ابن ابي الحديد: «… فان من أنصف علم انه لو لا سيف علي عليه السّلام لاصطلم المشركون من أشار اليه وغيرهم من المسلمين، وقد علمت آثاره في بدر واحد والخندق وخيبر وحنين وان الشرك فيها فغرفاه، فلو لا ان سده بسيفه لالتهم المسلمين كافة»(9).
(1) كانت في شوال سنة ثمان (الغزوات ص106).
(2) سورة النصر: 1.
(3) كفاية الطالب ص166.
(4) سورة التوبة: 25ـ26.
(5) الارشاد ص64.
(6) الغزوات ص107.
(7) المناقب ج3 ص143. والمعارف طبع دار المعارف بمصر.164.
(8) كشف الغمة ج1 ص226.
(9) شرح نهج البلاغة ج1 ص141 طبعة أبي الفضل إبراهيم.