6 ـ فتح مكة
روى البخاري بسنده عن عبيدالله بن أبي رافع قال: «سمعت علياً رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا والزبير، والمقداد بن الأسود، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فان بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا، حتى انتهينا الى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا لتخرجنّ الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا حاطب، ما هذا؟ قال: يا رسول الله لا تعجل عليّ، أني كنت امرءً ملصقاً في قريش، ولم اكن من انفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها اهليهم واموالهم، فاحببت اذ فاتني ذلك من النسب فيهم ان اتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً ولا ارتداداً ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لقد صدقكم. قال عمر: يا رسول الله دعني اضرب عنق هذا المنافق، قال: انّه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله ان يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، قال سفيان: وأي اسناد هذا؟»(1).
وروى ابن المغازلي باسناده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي بن أبي طالب يوم فتح مكة: «أماترى هذا الصنم بأعلى الكعبة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فاحملك فتناوله فقال: بل أنا أحملك يا رسول الله، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: والله لو أن ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوا مني بضعة وأنا حي ما قدروا، ولكن قف يا علي، فضرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيده إلى ساق علي فوق القرنوس ثم اقتلعه من الأرض بيده، فرفعه حتى تبين بياض ابطيه ثم قال له: ماترى يا علي؟ قال: أرى ان الله عزّوجلّ قد شرفني بك حتى اني لو أردت أن أمس السماء لمسستها، فقال له: تناول الصنم يا علي! فتناوله ثم رمى به ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من تحت علي وترك رحليه فسقط على الأرض فضحك فقال له: ما اضحكك يا علي؟ فقال: سقطت من اعلى الكعبة فما اصابني شيء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وكيف يصيبك شيء وانما حملك محمّد وانزلك جبرئيل عليهما السّلام»(2).
قال الديار بكري: «فجاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى مقام إبراهيم عليه السّلام فصلى ركعتين ثم جلس ناحية فبعث علياً إلى عثمان بن طلحة الجمحي في طلب مفتاح الكعبة، فأبى دفعه اليه وقال: لو علمت انه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم امنعه منه. فلوى علي عليه السّلام يده واخذ المفتاح منه قهراً وفتح الباب»(3).
وقال الثعلبي: «نزلت الآية (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)(4) في عثمان بن طلحة الجمحي من بني عبد الدار، وكان سادن الكعبة، فلما دخل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مكة يوم الفتح غلق عثمان باب البيت وصعد السطح وطلب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المفتاح، قيل انه مع عثمان وطلب منه وأبي وقال: لو علمت انه رسول الله لم امنعه المفتاح، فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب، فدخل رسول الله البيت وصلى ركعتين، فلما خرج سأله العبّاس ان يعطيه المفتاح ويجمع له بين السقاية والسّدانة فأنزل الله هذه الآية، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً ان يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر اليه ففعل ذلك على الحجابة، فقال له عثمان، يا علي، اكرهت واذيت ثم جئت برفق، فقال: لقد أنزل الله في شأنك وقرأ عليه الآية فقال عثمان: اشهد ان لا اله الاّ الله وان محمّداً رسول الله، واسلم فجاء جبرئيل إلى رسول الله عليهما السّلام، فقال: ما دام هذا البيت أو لبنة من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة في أولاد عثمان وهو اليوم في أيديهم»(5).
روى الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي مريم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: «انطلق بي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى أتى بي الكعبة فقال لي اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمنكبي ثم قال لي: انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال لي اجلس، فنزلت وجلست ثم قال لي يا علي اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه ثم نهض بي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلما نهض بي خيّل اليّ أن لو شئت نلت افق السماء، فصعدت فوق الكعبة وتنحى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال لي: الق صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس، موتّداً بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عالجه ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لي: ايه ايه (جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)فلم ازل اعالجه حتى استمكنت منه، فقال: اقذفه فقذفته فتكسر وترديت من فوق الكعبة فانطلقت أنا والنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وخشينا أن يرانا أحد من قريش وغيرهم قال علي: «فما صعدته حتى الساعة»(6).
وروى أحمد والنسائي بالاسناد عن أبي مريم مثل ذلك(7).
كما روى الخطيب البغدادي الحديث المتقدم بالفاظ مشابهة باملاء من الحافظ أبي نعيم باسناده عن أبي مريم(8).
ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص58، وأورده كل من: الخوارزمي في المناقب ص71، وابن الجوزي في صفة الصفوة ج1 ص119. ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ج2 ص200، والسيوطي في الخصائص الكبرى ج1 ص264 والزرقاني في شرح المواهب اللدنية ج1 ص204.
وقال البدخشي: «فان الله لما فتح مكة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً كرم الله وجهه ان يصعد على منكبه ليقذف الصنم التي كانت أعظم الاصنام عن المسجد الحرام»(9).
(1) صحيح البخاري، كتاب فضل الجهاد والسير، باب الجاسوس ج4 ص72.
(2) المناقب ص202 الحديث 240.
(3) تاريخ الخميس ج2 ص87.
(4) سورة النساء: 58.
(5) تفسير الثعلبي ص18 مخطوط.
(6) المستدرك على الصحيحين ج2 ص366، رواه الحافظ الكنجي الشافعي ايضاً في كفاية الطالب في مناقب علي ابن أبي طالب ص257، ثمّ قال: «هذا حديث حسن ثابت عند أهل النقل».
ثم روى الحاكم النيسابوري نفسه الحديث السابق بأسناد آخر وعلّق عليه بقوله: «هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه» المستدرك ج2 ص367.
(7) مسند أحمد ج1 ص84، الخصائص ص31.
(8) تاريخ بغداد ج13 ص302.
(9) مفتاح النجاء ص46.