4 ـ خيبر
روى أحمد باسناده عن بريدة قال: «حاصرنا خيبر فاخذ اللواء أبو بكر، فانصرف ولم يفتح له، ثم اخذ من الغد عمر فخرج فرجع ولم يفتح له، واصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اني دافع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له، فبتنا طيبة أنفسنا ان الفتح غداً، فلما أن اصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الغداة ثم قام قائماً فدعا باللواء والنّاس على مصافهم فدعا علياً وهو أرمد، فتفل في عينيه، ورفع اللواء وفتح له قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها».
«… فلقى أهل خيبر وإذا مرحب يرتجز بين ايديهم وهو يقول:
قد علمت خيبر اني مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرب
اطعن احياناً وحيناً أضرب *** اذ الليوث اقبلت تلهب
قال: فاختلف هو وعلي ضربتين، فضربه على هامته حتى عضّ السيف منها بأضراسه، وسمع أهل العسكر صوت ضربته قال: وما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح خيبر له ولهم»(1).
وأخرج أحمد بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم خيبر: لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله يفتح الله عليه، قال: فقال عمر: فما أحببت الامارة قبل يومئذ، فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إليّ، فلما كان الغد دعا علياً فدفعها اليه فقال: قاتل ولا تلتفت حتى يفتح عليك فسار قريباً ثم نادى يا رسول الله، علام أقاتل؟ قال: حتى يشهدوا ان لا اله الاّ الله وان محمّداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منّي دمائهم واموالهم الاّ بحقها وحسابهم على الله عزّوجلّ»(2).
وباسناده عن سلمة «ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أرسلني إلى علي فقال: لأعطينّ الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله، قال: فجئت به اقوده ارمد فبصق نبي الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عينيه ثم اعطاه الراية فخرج مرحب يخطر بسيفه، فقال:
قد علمت خيبر أنّي مرحب *** شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا الحروب أقبلت تلهّب *** فقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه:
أنا الذي سمتني امي حيدرة *** كليث غابات كريه المنظرة
أوفيهم بالصاع كيل السندرة *** ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه»(3).
وروى النسائي وأحمد(4) واللفظ للأول باسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه: «قال لعلي ـ وكان يسمر معه ـ ان الناس قد انكروا منك شيئاً، تخرج في البرد في الملاءتين وتخرج في الحرّ في الخشن والثوب الغليظ فقال: لم تكن معنا بخيبر، قال: بلى، قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر وعقد له لواء فرجع، وبعث عمر وعقد له لواء فرجع فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرّار(5) فأرسل إليّ وأنا أرمد، فتفل في عيني فقال: اللّهم اكفه أذى الحر والبرد، قال: ما وجدت حراً بعد ذلك ولا برداً»(6).
وفي رواية له عن سهل بن سعد، وفيها أنه قال النبي لعلي عليه السّلام: «أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم(7)، ثم ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من الله، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم»(8).
وأخرج أحمد باسناده عن ابن عمر قال: «كنا نقول في زمن النبي: النبي رسول الله خير الناس ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال،لأن يكون لي واحدة منها أحب اليّ من حمر النعم: زوّجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بنته وولدت له، وسد الأبواب الاّ بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر»(9).
وأخرج باسناده عن أم موسى عن علي عليه السّلام قال: «ما رمدت عيني منذ تفل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في عيني»(10).
وروى الحمويني باسناده عن أبي رافع مولى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم برايته فلما دنا من الحصن، خرج اليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود، فطرح ترسه من يده فتناول علي باب الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا ثامنهم نجهد على ان نقلب ذلك الباب فما استطعنا ان نقلبه»(11).
وبأسناده عن جابر بن عبدالله، قال: «حمل علي باب خيبر يومئذ حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، فجرب بعده فلم يحمله الاّ أربعون رجلا»(12).
وروى ابن حجر العسقلاني باسناده عن جابر: «إن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لما دفع الراية لعلي يوم خيبر اسرع فجعلوا يقولون له ارفق، حتى انتهى الى الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الأرض ثم اجتمع عليه سبعون رجلا حتى اعادوه»(13).
وروى المتقي الهندي دعاء للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اللهم انك اخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وهذا عليّ فلا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين»(14).
وروى ابن المغازلي باسناده عن أبي هريرة، قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر إلى خيبر فلم يفتح عليه ثم بعث عمر، فلم يفتح عليه، فقال: لاعطين الراية رجلا كرّاراً غير فرار، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فدعا علي بن أبي طالب وهو ارمد العين، فتفل في عينه، ففتح عينه وكأنه لم يرمد قط، قال: خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك، فخرج يهرول وأنا خلف اثره حتى ركز رايته في رضم(15) تحت الحصن، فاطلع رجل يهودي من رأس الحصن وقال: من أنت، قال: علي بن أبي طالب، فالتفت إلى اصحابه وقال: غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى. قال: فوالله ما رجع حتى فتح الله عليه»(16).
وباسناده عن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث كان ارسل عمر بن الخطاب إلى خيبر، فانهزم هو ومن معه، فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فبات تلك الليلة وبه من الغم غير قليل، فلما اصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله غير فرار، فعرض لها جميع المهاجرين والأنصار، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أين علي حيث فقده، فقالوا: يا رسول الله هو ارمد، فارسل إليه أبا ذر وسلمان فجاءه وهو يقاد لا يقدر على ان يفتح عينيه، ثم قال: اللهم أذهب عنه الرمد والحر والبرد، وانصره على عدوه، وافتح عليه فانه عبدك ويحبك ويحب رسولك غير فرار، ثم دفع الراية إليه، فاستأذنه حسان بن ثابت في ان يقول فيه شعراً، فقال له: قل: فأنشأ يقول:
وكان علي ارمد العين يبتغي *** دواء فلما لم يحس مداوياً
شفاه رسول الله منه بتفلة *** فبورك مرقياً وبورك راقياً
وقال: سأعطي الراية اليوم صارماً *** كميا محباً للرسول موالياً
يحبّ إلهي والإله يحبه *** به يفتح الله الحصون الأوابيا
فأصفى بها دون البرية كلّها *** علياً وسماه الوزير المؤاخيا»(17)
قال الحافظ الكنجي الشافعي بعد ذكره فتح خيبر على يد علي عليه السلام: «قلت: رواه محدث الشام في كتابه وطرقه عن جم غفير من الصحابة والتابعين وذكر لكل واحد منهم طرقاً شتى بالفاظ مختلفة، واتفق الكل على لفظ لأعطين الراية… فمنهم: سلمة بن الأكوع، خرج حديثه مسلم في الجهاد بطوله، واسنده عنه من التابعين ابنه أياس بن سلمة ويزيد بن أبي عبيد وسفيان بن أبي فروة كما اخرجناه وعطا مولى السائب عن سلمة.
ومنهم: بريدة بن الحصيب، واسنده عنه من التابعين ابنه عبد الله وطرقه عن عبدالله بن بريدة عن أبيه بطرق شتى.
ورواه عبد الله بن عمر، واسنده عنه من التابعين حبيب بن أبي ثابت وجميع ابن عمير.
ورواه عبد الله بن عباس، وأسنده عنه من التابعين عمرو ابن ميمون وطرقه عن عمرو بن ميمون بطرق شتى في حديث طويل.
ورواه عمران بن حصين، وأسنده عنه من التابعين ربعي بن خراش وطرقه عن ربعي بطرق شتى.
ورواه أبو سعيد الخدري، وأسنده عنه من التابعين عبدالله بن عصمة العجلي وطرقه عن عبدالله بطرق شتى.
ورواه أبو ليلى الأنصاري، وأسنده عنه من التابعين ابنه عبد الرحمان بن أبي ليلى، وطرقه عن عبد الرحمن بطرق شتى بزيادة لفظة «وهو لبس الشتاء في الصيف ولبس الصيف في الشتاء».
ورواه سهل بن سعد الساعدي، واسنده عنه من التابعين عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل وطرقه عن أبي حازم عن سهل بن سعد بطرق شتى.
ورواه أبو هريرة، واسنده عنه من التابعين سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، وطرقه عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة بطرق شتى.
قال الحاكم: هذا حديث دخل في حد التواتر»(18).
قال الواقدي: «فلما اصبح أرسل إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام وهو أرمد، فقال: ما أبصر سهلا ولا جبلا، قال: فذهب اليه فقال: افتح عينيك ففتحهما فتفل فيهما، قال علي عليه السّلام: فما رمدت حتى الساعة، ثم دفع اليه اللواء ودعا له ومن معه من اصحابه بالنصر…».
«فحمل علي فقطره على الباب وفتح الباب، وكان للحصن بابان»(19).
وروى البدخشي باسناده عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: «حمل علي الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، وأنهم جروه بعد ذلك فلم يحمله الاّ أربعون رجلا»(20).
وروى أبو نعيم الأصبهاني باسناده عن سعد بن أبي وقاص قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في علي بن أبي طالب ثلاث خلال: لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله، وحديث الطير، وحديث غدير خم»(21).
قال علي بن برهان الدين الحلبي: عن حذيفة رضي الله عنه: «لما تهيأ علي كرم الله وجهه يوم خيبر للحملة قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، والذي نفسي بيده ان معك من لا يخذلك، هذا جبرئيل عن يمينك بيده سيف لو ضرب به الجبال لقطعها، فاستبشر بالرضوان والجنة، يا علي انك سيد العرب وأنا سيد ولد آدم»(22).
(1) مسند أحمد ج5 ص353ـ354، ورواه النسائي في الخصائص ص5 وانظر المسند ج3 ص16 والفضائل حديث 70.
(2) المسند ج2 ص384، قال الشيخ منصور علي ناصف: الرايه، العلم التي هي علامة الامارة التاج الجامع للأصول في احاديث الرسول، ج3 ص194.
(3) المسند ج4 ص52، وانظر صحيح البخاري، كتاب فضل الجهاد والسير، باب ما قيل في اللواء ج4 ص65، المستدرك 3 ص38، وصحّحه على شرط مسلم.
(4) المسند ج1 ص133.
(5) الخصائص ص5 قال العلامة الحلي: «وصفه بهذا الوصف يدل على انتفائه من غيره، وهذا يدل على افضليته فيكون هو الإمام».
(6) منهاج الكرامة المطبوع ضمن منهاج السنة ص170.
(7) قال الشيخ منصور علي ناصف: «اي سر بجيشك متأنياً حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الاسلام وما يجب عليهم لله ولرسوله فان أجابوك فلا سبيل لك عليهم والاّ فالقتال» التاج ج3 ص294.
(8) الخصائص 6، وهو في صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي، مناقب علي ج5 ص22.
(9) الفضائل ج1 الحديث 75.
(10) المصدر الحديث 102.
(11) فرائد السمطين ج1 ص261، ورواه ابن الأثير في الكامل ج2 ص220، والحضرمي في وسيلة المآل ص 223.
(12) المصدر، ورواه المتقي في منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد ج5 ص44.
(13) الاصابة في تمييز الصحابة ج2 ص509.
(14) كنز العمّال ج11 ص623 طبع حلب.
(15) الرّضم والرّضام: صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض.
(16) مناقب علي بن أبي طالب ص181 الحديث 217.
(17) المناقب ص185 الحديث 220.
(18) كفاية الطالب ص99ـ100.
(19) المغازي ج2 ص654، روى الهيثمي عن علي عليه السّلام قال: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين اعطاني الراية». مجمع الزوائد ج9 ص122، وروي عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كحل عين علي بربقه».
(20) مفتاح النجاء ص46.
(21) حلية الاولياء ج4 ص356.
(22) السيرة الحلبية ج2 ص736.