الباب السَّابع عَشر: عليٌّ (عليه السلام) في الحُروب والغزوَات
1 ـ بدر.
2 ـ أحد.
3 ـ الخندق ـ أو الاحزاب.
4 ـ خيبر.
5 ـ ذات السلاسل.
6 ـ فتح مكة.
7 ـ حنين.
8 ـ تبوك.
علي عليه السّلام يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
الف ـ عليٌ وقتاله للناكثين «حرب الجمل»
ب ـ عليٌ وقتاله للقاسطين «حرب صفين»
ج ـ علي وقتاله للمارقين «وقعة النهروان»
1 ـ بدر
روى البخاري باسناده عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «نزلت (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) في ستة من قريش: علي حمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بين ربيعة والوليد بن عتبة»(1).
وروى باسناده عن قيس بن عباد: «سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقسم: لنزلت هؤلاء الآيات في هؤلاء، الرهط الستة يوم بدر. نحوه»(2).
قال الثعلبي: «لما ورد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بدراً، قال: هذه مصارع القوم ان شاء الله، فلما طلعوا عليه قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: هذه قريش قد جائت بخيلها يكذبون رسولك، اللهم اني اسألك ما وعدتني، فجائه جبرئيل وقال له: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما التقى الجمعان لعلي: اعطني قبضة من حصى الوادي، فناوله كفاً من حصى عليه من تراب، فرمى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم به في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه. فلم يبق مشرك الا دخل في عينيه وفمه ومنخره منها شيء… وكانت تلك الرمية سبب هزيمة القوم»(3).
وروى الحاكم باسناده عن ابن عبّاس: «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دفع الراية إلى علي رضي الله عنه يوم بدر، وهو ابن عشرين سنة»(4).
وروى الطبري باسناده عن ابن عبّاس قال: «كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلا، وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلا، وكان صاحب راية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علي بن أبي طالب»(5).
قال ابن أبي الحديد: «وأما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه انّه سيد المجاهدين، وهل الجهاد لأحد من الناس إلا له؟ وقد عرفت أن اعظم غزاة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى قتل فيها سبعون من المشركين، قتل علي عليه السّلام نصفهم وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر، وإذا رجعت إلى مغازى محمّد بن عمر الواقدي وتاريخ الاشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك. دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما، وهذا الفصل لا معنى للاطناب فيه، لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما»(6).
وقال الشبلنجي: «ومن شجاعته رضي الله عنه ما وقع على يديه في غزوة بدر، وكان عمره اذ ذاك سبعاً وعشرين سنة، قال بعضهم: إن أهل الغزوات اجمعت على ان جملة من قتل من المشركين يوم بدر سبعون رجلا، قال: قتل علي رضي الله عنه منهم أحداً وعشرين نسمة باتفاق الناقلين، وأربعة شاركه فيهم غيره، وثمانية مختلف فيهم.
وروى عن رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «لما اصبح الناس يوم بدر اصطفّت قريش أمامها عتبة بن ربيعة واخوه شيبة وابنه الوليد، فنادي عتبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا محمّد أخرج لنا اكفاءنا من قريش فبرز اليهم ثلاثة من شباب الأنصار، فقال لهم عتبة: من أنتم؟ فانتسبوا فقال: لا حاجة لنا في مبارزتكم انما طلبنا بني عمنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للأنصار: ارجعوا إلى مواقفكم، ثم قال: قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم، فقاموا فصفوا في وجوههم وكان على رؤوسهم البيض فلم يعرفوهم، فقال عتبة: من أنتم يا هؤلاء؟ تكلموا، فان كنتم اكفاءنا قاتلناكم، فقال حمزة بن عبد المطلب: أنا حمزة بن عبد المطلب، أنا أسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة: كفء كريم، وقال علي: أنا علي بن أبي طالب، وقال عبيدة: أنا عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب، فقال عتبة لابنه الوليد: قم، قم يا وليد ابرز لعلي وكان اصغر الجماعة سناً، فاختلفا بضربتين اخطأت ضربة الوليد ووقعت ضربة علي رضي الله عنه على اليد اليسرى من الوليد فأبانتها، ثم ثنى عليه بأخرى فخر قتيلا.
وروى عن علي رضي الله عنه: انه كان إذا ذكر بدراً وقتله الوليد قال في حديثه: كأني انظر إلى وبيص خاتمه في شماله عندما أبنت يده وبها أثر من خلوق، فعلمت أنه قريب عهد بعروس. وبارز عتبة حمزة وبارز عبيدة شيبة، وكان من أسن القوم فاختلفا بضربتين، فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق عبيدة فقطعها فاستنقذه علي وحمزة رضي الله عنهما وقتلا شيبة وحمل عبيدة فمات بالصفراء»(7).
روى الخوارزمي باسناده عن مخدوج بن زيد الألهاني «ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم آخى بين المسلمين يوم بدر، ثم قال: يا علي أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى الاّ انّه لا نبي بعدي، أما علمت يا علي…»(8).
وروى أحمد باسناده عن الحكم عن مقسم عن ابن عبّاس، قال: «كان علي عليه السّلام يأخذ راية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم بدر، قال الحكم: يوم بدر والمشاهد كلها»(9).
وروى الكنجي الشافعي بأسانيد متعددة عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السّلام، قال: «نادى ملك من السماء يوم بدر ـ يقال له رضوان ـ لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي»(10).
وروى ابن عبد البر باسناده عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة بن رافع الأنصاري عن أبيه، عن جده قال: «اقبلنا من بدر ففقدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فنادت الرفاق بعضها بعضاً، أفيكم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فوقفوا حتى جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالوا: يا رسول الله، فقدناك؟ فقال: ان أبا الحسن وجد مغصاً (وجعاً) في بطنه فتخلفت عليه»(11).
وروى ابن عساكر باسناده عن يعقوب بن سفيان، قال: «سمعت سليمان بن حرب يقول: شهد علي بدراً وهو ابن عشرين سنة، وشهد الفتح وهو ابن ثمان وعشرين»(12).
وعن أبي إسحاق قال في تسمية من شهد بدراً من بني هاشم: «علي بن أبي طالب، وهذا أول من آمن به»(13).
وروى محب الدين الطبري باسناده عن علي عليه السّلام قال: «قاتلت يوم بدر قتالا، ثم جئت إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم، ففتح الله عزّوجل عليه»(14).
وقال ابن الأثير: «… ثم خرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، ودعوا إلى المبارزة فخرج اليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبدالله بن رواحة كلهم من الأنصار، فقالوا: من انتم؟ قالوا: من الأنصار، فقالوا: اكفاء كرام، وما لنا بكم من حاجة، ليخرج الينا اكفاؤنا من قومنا، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: قم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا علي، فقاموا ودنا بعضهم من بعض فبارز عبيدة بن الحارث بن المطلب ـ وكان أمير القوم ـ عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد فاما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وامّا علي فلم يمهل الوليد ان قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما قد أثبت صاحبه، وكرّ حمزة وعلي على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة إلى اصحابه…»(15).
وروى الواقدي باسناده عن رجل من بني أود، قال: «سمعت علياً يقول، وهو يخطب بالكوفة: بينا أنا أميح قليب بدر ـ أميح يعني استقي، وهو من ينزع الدلاء وهو المتح ايضاً ـ جاءت ريح لم ار مثلها قط شدة، ثم ذهبت فجاءت ريح اخرى، لم أر مثلها الا التي كانت قبلها، ثم جاءت ريح اخرى، لم أر مثلها الاّ التي كانت قبلها، ثم جاءت ريح اخرى، لم ار مثلها الاّ التي كانت قبلها، وكانت الأولى جبريل في ألف مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والثانية ميكائيل في ألف عن ميمنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر، وكانت الثالثة اسرافيل في الف نزل عن ميسرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا في الميسرة»(16).
وأفرد الواقدي فصلا في كتابه بعنوان (تسمية من قتل من المشركين ببدر) ذكر فيه أسماء هؤلاء المقتولين ومن قتل كلا منهم، وهم تسعة وأربعون رجلا، قتل علي اثنين وعشرين منهم، شرك في أربعة وقتل بانفراده ثمانية عشر»(17).
ونقل الأربلي عن الشيخ المفيد في (الارشاد) أن عدد من قتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام ببدر ستة وثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك أميرالمؤمنين فيه غيره، وهم أكثر من شطر المقتولين ببدر، ثم قال: «وعلى اختلاف المذهبين في تعيين عدة المقتولين فقد اتفقا على أن أميرالمؤمنين قتل النصف ممن قتل ببدر، او قريباً منه، وما أجدره عليه السّلام بقول القائل:
لك خلتان مسالماً ومحارباً *** كفلا الثناء لسيفك المخضوب
فرقت ما بين الذوائب والطلى *** وجمعت ما بين الطلا والذئب(18)
وقال الشيخ جعفر نقدي: «واقتل الناس قتالا شديداً وكان من قتل من المشركين يصيح: قتلني علي بن أبي طالب فسأل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يريهم الله الملائكة على صورة علي لأن ذلك أهيب لقلوبهم(19).
قال الصاحب ابن عبّاد:
هو البدر في الهيجاء بدر وغيره *** فرائصه من ذكره السيف ترعد
وكم خبر في خيبر قد رويتم *** ولكنكم مثل النعام تشردوا
وفي احد ولىّ رجال وسيفه *** يسوّد وجه الكفر وهو مسود
ويوم حنين حن للغل بعضكم *** وصارمه عضب الغوار مهند(20)
وله في قصيدة اخرى:
من كمولانا علي *** والوغى يحمي لظاها
اذكروا افعال بدر *** لست اعني ما سواها
اذكروا ظلمة أحد *** انّه شمس ضحاها(21)
وقال ابن شهر آشوب: «ووجدت في كتاب المقنع قول هند:
أبي وعمي وشقيق بكري *** اخي الذي كان كضوء البدر
بهم كسرت يا علي ظهري»(22) ***
(1) تفسير الثعلبي ذيل الآية 16 من سورة الانفال ص168.
(2) صحيح البخاري ـ كتاب الجهاد ـ ج5 ص95.
(3) المصدر ص96.
(4) المستدرك على الصحيحين ج3 ص111.
(5) تاريخ الطبري ج2 ص431.
(6) شرح نهج البلاغة ج1 ص8 طبع مصر.
(7) نور الابصار ص100.
(8) المناقب الفصل الرابع عشر ص84.
(9) الفضائل لأحمد بن حنبل ج1 الحديث 217 تاريخ الطبري ج2 ص431، سيرة ابن هشام ج2 ص264، ابن عساكر ج1 ص145، ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص75، والحضرمي في وسيلة المآل ص224 مخطوط.
(10) كفاية الطالب ص277، ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ثم قال: «ذو الفقار اسم سيف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سمّي بذلك لأنّه كانت فيه حفر صغار، قال أبو عبيد: والمفقر من السيوف: الذي في متنه حزوز» ص74، ورواه الحضرمي في وسيلة المآل ص224 مخطوط والبدخشي في مفتاح النجا ص41.
(11) الاستيعاب القسم الثالث الرقم 1855 ص1101.
(12) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج1 ص139.
(13) المصدر ص140.
(14) الرياض النضرة ج3 ص262.
(15) الكامل في التاريخ ج2 ص125.
(16) المغازي ج1 ص57.
(17) المصدر ص147.
(18) كشف الغمة في معرفة الأئمة ج1 ص185.
(19) الغزوات والفضائل والمناقب ص89، سمّى المؤلف كتابه هذا نزهة المحبين في فضائل أميرالمؤمنين أو أشعة الأنوار في فضائل حيدر الكرّار ثمّ عنون الكتاب بـ (الغزوات والفضائل والمناقب والمعجزات والقضايا ممّا يتعلق بأميرالمؤمنين عليه السّلام).
(20) العضب: القطع، والسيف، والغوار، حدّ الرمح والسهم والسيف.
(21) مناقب ابن شهر اشوب ج3 ص116.
(22) المصدر السابق ص121.