وصول علي إلى الرقة:
قال نصر: «ثم سار أميرالمومنين حتى أتى الرقة وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها، وكان أميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية، وقد كان فارق علياً في نحو من مائة رجل من بني اسد، ثم أخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل»(1).
روى نصر بن مزاحم بسنده عن حبة عن علي قال: لما نزل عليّ الرقة نزل بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي: ان عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم، أعرضه عليك قال علي: نعم فما هو؟ قال الراهب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الذي قضى فيما قضى وسطر أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة، ويدلهم على سبيل الله لا فظّ ولا غليظ، ولا صخّاب في الاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشز وفي كل صعود وهبوط تذل ألسنتهم بالتهليل والتكبير والتسبيح وينصره الله على كل من ناواه فإذا توفاه الله اختلف أمته ثم اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت، فيمر رجل من أمته بشاطيء هذا الفرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق ولا يرتشي في الحكم، الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظماء، يخاف الله في السر وينصح له في العلانية ولا يخاف في الله لومة لائم، من أدرك ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فان القتل معه شهادة.
ثم قال له: فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما اصابك قال: فبكي علي ثم قال: الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسياً، الحمد لله الذي ذكرني في كتب الابرار، ومضى الراهب معه وكان ـ فيما ذكروا ـ يتعذّى مع علي ويتعشى حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي: اطلبوه فلما وجدوه صلى عليه ودفنه وقال: هذا منا أهل البيت واستغفر له مراراً»(2).
وروى بسنده عن عبدالله بن عمّار بن عبد يغوث «ان علياً قال لأهل الرقة: أجسروا لي جسراً لكي أعبر من هذا المكان الى الشام، فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم، فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج، وخلف عليه الأشتر فناداهم فقال: يا أهل هذا الحصن اني أقسم بالله لئن مضى أميرالمؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ولأقتلن مقاتلتكم ولأخربن أرضكم ولآخذن اموالكم. فلقي بعضهم بعضاً فقالوا: ان الأشتر يفي بما يقول وان علياً خلفه علينا ليأتينا منه الشر، فبعثوا اليه إنا ناصبون لكم جسراً فأقبلوا فأرسل الاشتر إلى علي فجاء ونصبوا له الجسر فعبر الاثقال والرجال ثم أمر الاشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق أحد من الناس الاّ عبر، ثم انه عبر آخر الناس رجلا»(3).
(1) وقعة صفين ص146ـ147.
(2) وقعة صفين ص146 ـ 147.
(3) وقعة صفين ص151ـ152.