وجوه الأصحاب و المؤمنين في جيش علي
روى المسعودي عن المنذر بن الجارود قال: «لما قدم علي رضي الله عنه البصرة دخل مما يلي الطف فأتى الزاوية فخرجت أنظر اليه، فورد موكب في نحو الف فارس يتقدمهم فارس على فرس أشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلد سيفاً ومعه راية، وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا أبو أيوب الانصاري صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهؤلاء الانصار وغيرهم، ثم تلاهم فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفاً متنكب قوساً معه راية على فرس اشقر في نحو ألف فارس، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين، ثم مر بنا فارس آخر على فرس كميت معتم بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء وعليه قباء أبيض [مصقول] متقلد سيفاً متنكب قوساً في نحو ألف فارس من الناس ومعه راية، فقلت: من هذا؟ فقيل لي: أبو قتادة بن ربعي، ثم مرّ بنا فارس آخر على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه، شديد الأدمة عليه سكينة ووقار رافع صوته بقراءة القرآن متقلد سيفاً متنكب قوساً معه راية بيضاء في ألف من الناس مختلفي التيجان حوله مشيخة وكهول وشباب كانما قد أوقفوا للحساب، أثر السجود [قد أثر في جباههم] فقلت: من هذا: فقيل عمّار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والانصار وابنائهم، ثم مر بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متنكب قوساً متقلد سيفاً تخط رجلاه في الأرض في ألف من الناس الغالب تيجانهم الصفرة والبياض معه راية صفراء، قلت: من هذا؟ قيل: هذا قيس ابن سعد بن عبادة في عدة من الأنصار وابنائهم وغيرهم من قحطان، ثم مر بنا فارس على فرس أشهل ما رأينا احسن منه، عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدَلها من بين يديه بلواء، قلت: من هذا؟ قيل: هو عبدالله بن العبّاس في وفده وعدة من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم تلاه موكب آخر فيه فارس اشبه الناس بالأولين، قلت: من هذا؟ قيل: عبيدالله بن العبّاس، ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين، قلت: من هذا؟ قيل: قثم بن العبّاس، أو معبد بن العبّاس، ثم اقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضاً، واشتبكت الرماح، ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السلاح والحديد مختلفوا الرايات في اوله راية كبيرة يقدمهم رجل كأنما كسر وجبر قال ابن عائشة: وهذه صفة رجل شديد الساعدين نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق وكذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن الرجل أنه كسر وجبر كأنما على رؤوسهم الطير، وعن يمينه شاب حسن الوجه وعن يساره شاب حسن الوجه وبين يديه شاب مثلهما قلت: ممن هؤلاء؟ قيل: هذا علي بن أبي طالب، وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وهذا محمّد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى، وهذا الذي خلفه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشايخ هم أهل بلد من المهاجرين والانصار.
فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية، فصلى أربع ركعات، وعفر خديه على التراب وقد خالط دموعه، ثم رفع يديه يدعو: اللّهم رب السموات وما اظلّت، والأرضين وما أقلّت ورب العرش العظيم، هذه البصرة أسألك من خيرها، وأعوذ بك من شرها، اللهم انزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين، اللهم ان هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي، وبغوا عليَّ ونكثوا بيعتي، اللهم احقن دماء المسلمين»(1).
روى الخوارزمي بسنده عن الاصبغ بن نباته: «لما ان اصيب زيد بن صوحان يوم الجمل أتاه علي عليه السّلام وبه رمق، فوقف عليه وهو لما به فقال: رحمك الله يا زيد فو الله ما عرفناك الاّ خفيف المؤمنة كثير المعونة قال: فرفع اليه رأسه وقال: وأنت يا مولاي يرحمك الله، فوالله ما عرفتك الاّ بالله عالماً وبآياته عارفاً، والله ما قاتلت معك من جهل، ولكن سمعت حذيفة بن اليمان يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: علي أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ألا وان الحق معه ويتبعه، ألا فميلوا معه»(2).
وروى محمّد بن رستم عن أبي ذر رضي الله عنه: «يا علي ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس منّي»(3).
قال ابن الأثير: «وقيل: انما عاد الزبير عن القتال لما سمع أن عمّار بن ياسر مع علي، فخاف أن يقتل عماراً، وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا عمّار تقتلك الفئة الباغية. فردّه ابنه عبد الله»(4).
(1) مروج الذهب ج2 ص368.
(2) المناقب ص111.
(3) تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين ص189.
(4) الكامل في التاريخ ج3 ص241.