مما قال رسول الله في آل أبي سفيان
روى نصر بن مزاحم باسناده عن علي بن الأرقم قال: «وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا: لو مررنا برجل قد شهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعاينه، فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا: يا صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حدّثنا ما شهدت ورأيت، قال: ان هذا ارسل الي ـ يعني معاوية ـ فقال: لئن بلغني انك تحدث لأضربّن عنقك، فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت: وددت أن أحد سيف في جندك على عنقي، فقال: والله ما كنت لأقاتلك ولا أقتلك. وأيم الله ما يمنعني ان احدثكم ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال فيه. رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أرسل اليه يدعوه ـ وكان يكتب بين يديه ـ فجاء الرسول. فقال: هو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع؟ قال: وخرج من فج فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب معاوية واخوه، احدهما قائد والآخر سائق، فلما نظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «اللهم العن القائد والسائق والراكب» قلنا: أنت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قال: نعم، والا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي»(1).
وباسناده عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم معاوية على منبري يخطب فاقتلوه»(2).
وقال: «فحدّثني بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدري: فلم نفعل ولم نفلح»(3).
وعن زر بن حبيش وعبدالله بن مسعود قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه. قال الحسن: فما فعلوا ولا افلحوا»(4).
وعن خيثمة قال: قال عبدالله بن عمر: ان معاوية في تابوت في الدرك الأسفل من النار، ولولا كلمة فرعون: «انا ربكم الأعلى» ما كان أحد أسفل من معاوية(5).
وباسناده عن أبي حرب بن أبي الأسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال: «اني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: شر خلق الله خمسة: ابليس، وابن آدم الذي قتل اخاه، وفرعون ذو الأوتاد، ورجل من بني اسرائيل ردهم عن دينهم، ورجل من هذه الأمة يبايع على كفره عند باب لد، قال الرجل: اني لما رأيت معاوية بايع عند باب لد، ذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلحقت بعلي فكنت معه»(6).
وباسناده عن عبدالله بن عمر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يموت معاوية على غير الإسلام».
وبإسناده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يموت معاوية على غير ملتي».
وباسناده عن البراء بن عازب، قال: أقبل أبو سفيان ومعه معاوية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اللّهم العن التابع والمتبوع، اللهم عليك بالأقيعس» فقال ابن البراء لأبيه: من الأقيعس؟ قال معاوية»(7).
وكتاب المعتضد في شأن بني أمية، الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، مشهور.
روى ابن جرير الطبري «.. وكان من عانده ونابذه، وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الأكثر والسواد الأعظم، يتلقونه بالتكذيب والتثريب، ويقصدونه بالأذية والتخويف، ويبادونه بالعداوة، وينصبون له المحاربة، ويصدون عنه من قصده وينالون بالتعذيب من اتبعه، وأشدهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة، وأولهم في كل حرب ومناصبة، لا يرفع على الاسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها في كل مواطن الحرب من بدر واحد والخندق والفتح.. أبو سفيان بن حرب واشياعه من بني امية الملعونين في كتاب الله ثمّ الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدة مواضع لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم ونفاقهم وكفر احلامهم، فحارب مجاهداً ودافع مكابداً، واقام منابذاً حتى قهره السيف وعلا أمر الله وهم كارهون، فتقوّل بالاسلام غير منطو عليه واسرَّ الكفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون، وميزله المؤلفة قلوبهم فقبله وولده على علم منه. فمما لعنهم الله به على لسان نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم وانزل به كتاباً قوله: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً)(8) ولا اختلاف بين احد أنه أراد بها بني امية.
ومنه قول الرسول عليه السّلام وقد رآه مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به: «لعن الله القائد والراكب والسائق».
ومنه ما يرويه الرواة من قوله: «يا بني عبد مناف تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار. وهذا كفر صراح يلحق به اللعنة من الله كما لحقت (الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)(9).
ومنه ما يروون من وقوفه على ثنية احد بعد ذهاب بصره، وقوله لقائده:ها هنا ذببنا محمّداً واصحابه، ومنه الرؤيا التي رآها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فوجم لها فما رئي ضاحكاً بعدها فانزل الله (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ)(10)فذكروا انه رأى نفراً من بني امية ينزون على منبره.
ومنه طرد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الحكم بن أبي العاص لحكايته اياه، والحقه الله بدعوة رسوله آية باقية حين رآه يتخلج فقال له: «كن كما انت» فبقي على ذلك سائر عمره إلى ما كان من مروان في افتتاحه أول فتنة كانت في الاسلام، واحتقابه لكل دم حرام سفك فيها أو اريق بعدها.
ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر)(11) من ملك بني امية.
ومنه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه فدافع بامره واعتل بطعامه فقال النبي: «لا أشبع الله بطنه» فبقي لا يشبع ويقول: والله ما أترك الطعام شبعاً ولكن اعياء.
ومنه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «يطلع من هذا الفج رجل من امتي يحشر على غير ملتي»، فطلع معاوية.
ومنه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه».
ومنه الحديث المرفوع المشهور انه قال: «ان معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي: يا حنان يا منان، الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين».
ومنه انبراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الاسلام مكاناً واقدمهم إليه سبقاً واحسنهم فيه اثراً وذكراً، علي بن أبي طالب، ينازعه حقه بباطله ويجاهد انصاره بضلاله وغواته، ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه، من اطفاء نور الله وجحود دينه، أو يأبى الله الاّ ان يتم نوره ولو كره المشركون، يستهوي أهل الغباوة، ويموه على أهل الجهالة بمكره وبغيه، الذين قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الخبر عنهما فقال لعمار: «تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار» مؤثراً للعاجلة كافراً بالآجلة، خارجاً من ربقة الاسلام مستحلاً للدم الحرام، حتى سفك في فتنته وعلى سبيل ضلالته دم ما لا يحصى عدده من خيار المسلمين الذابين عن دين الله والناصرين لحقه، مجاهداً لله مجتهداً في ان يعصى الله فلا يطاع، وتبطل احكامه فلا تقام، ويخالف دينه فلا يدان، وأن تعلو كلمة الضلالة، وترتفع دعوة الباطل وكلمة الله هي العليا ودينه المنصور، وحكمه المتبع النافذ، وامره الغالب وكيد من حاده المغلوب الداحض، حتى احتمل اوزار تلك الحروب وما اتبعها وتطوق تلك الدماء وما سفك بعدها وسن سنن الفساد التي عليه اثمها واثم من عمل بها إلى يوم القيامة، وأباح المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق أهلها، واغتره الإملاء واستدرجه الامهال، والله له بالمرصاد.
ثم مما اوجب الله له به اللعنة، قتله من قتل صبراً من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة، مثل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي فيمن قتل [من] امثالهم في أن تكون له العزة والملك والغلبة، ولله العزة والملك والقدرة والله عزّوجلّ يقول: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)(12).
ومما استحق به اللعنة من الله ورسوله: ادعاؤه زياد بن سمية، جرأة على الله والله يقول (ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ)(13) ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: «ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه» ويقول: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فخالف حكم الله عزّوجلّ وسنة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم جهاراً، وجعل الولد لغير الفراش. وللعاهر لا يضرّه عهره، فادخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله في ام حبيبة زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي غيرها من سفور وجوه ما قد حرمه الله، واثبت بها قربى قد باعدها الله وأباح بها ما قد حظره الله مما لم يدخل على الاسلام خلل مثله، ولم ينل الدين تبديل شبهه.
ومنه ايثاره بدين الله ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبر الخمير صاحب الديوك والفهود والقرود، واخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والاخافة والتهدد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على خبثه ورهقه، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره فلما تمكن منه ما مكنه منه ووطأه له، وعصى الله ورسوله فيه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الاسلام اشنع منها ولا افحش مما ارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك كيد نفسه وغليله وظن أن قد انتقم من أولياء الله، وبلغ النوى لأعداء الله، فقال مجاهداً بكفره ومظهراً لشركه:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الاسل
قد قتلنا القرم من ساداتكم *** وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً *** ثم قالوا: يا يزيد لا تشل
لست من خندف ان لم انتقم *** من بني أحمد ما كان فعل
ولعت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحيٌ نزل
هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله.
ثمّ من اغلظ ما انتهك واعظم ما اخترم، سفكه دم الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع موقعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة اجتراء على الله وكفراً بدينه، وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته، واستهانة بحرمته، فكأنما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفار أهل الترك والديلم، لا يخاف من الله نقمة، ولا يرقب منه سطوة، فبتر الله عمره واجتث أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده واعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته.
هذا الى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل احكامه واتخاذ مال الله دولا بينهم، وهدم بيته واستحلال حرامه، ونصبهم المجانيق عليه ورميهم اياه بالنيران، لا يألون له احراقاً واخراباً، ولما حرم الله منه استباحة وانتهاكاً، ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا، ولمن أمنه الله به اخافة وتشريداً حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب واستحقوا من الله الانتقام، وملأوا الأرض بالجور والعدوان وعموا عباد الله بالظلم والاقتسار، وحلت عليهم السخطة ونزلت بهم من الله السطوة، أتاح الله لهم من عترة نبيه وأهل وراثته من استخلصهم منهم بخلافته، مثل ما اتاح الله من أسلافهم المؤمنين وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين، فسفك الله بهم دماءهم مرتدين، كما سفك بآبائهم دماء آباء الكفرة المشركين، وقطع الله دابر القوم الظالمين، والحمد لله رب العالمين»(14).
وقال: «بايع أهل الشام معاوية بالخلافة في سنة سبع وثلاثين في ذي القعدة حين تفرق الحكمان، وكانوا قبل بايعوه على الطلب بدم عثمان ثم صالحه الحسن بن علي عليه السّلام وسلّم له الأمر سنة احدى وأربعين لخمس بقين من شهر ربيع الأول، فبايع الناس جميعاً معاوية، فقيل عام الجماعة، ومات بدمشق سنة ستين يوم الخميس لثمان بقين من رجب(15).
وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وسبعة وعشرين يوماً.
قال: ويقال: كان بين موت علي عليه السّلام وموت معاوية تسع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاث ليال»(16).
واختلفوا في مدة عمره وكم عاش، فقال بعضهم: مات يوم مات وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقال آخرون: مات وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وقال آخرون: مات وهو ابن خمس وثمانين سنة(17).
(1) وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217.
(2) وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217.
(3) وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217.
(4) وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217.
(5) وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217.
(6) وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217.
(7) وقعة صفين ص 217.
(8) سورة الاسراء : 60 .
(9) سورة المائدة: 78.
(10) سورة الاسراء: 60.
(11) سورة القدر: 3.
(12) سورة النّساء: 93.
(13) سورة الاحزاب: 5.
(14) تاريخ الطّبري ج10 ص57ـ61.
(15) وقيل غير ذلك.
(16) المصدر ج5 ص324 و325.
(17) تاريخ الطبري ج5 ص324 و325.