علّي قاضي دين رسول الله
روى النّسائي بأسناده عن عائشة بنت سعد قالت: «سمعت أبي يقول، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الجحفة، فأخذ بيد علّي فخطب فحمد الله واثنى عليه، ثمّ قال: ايّها النّاس انّي وليكّم، قالوا: صدقت يا رسول الله، ثمّ أخذ بيد علّي فرفعها فقال: هذا وليّي ويؤدّي عنّي ديني، وانا موالي من والاه ومعاد من عاداه»(1).
وروى المتّقي الهندي عن أنس عن النّبي: «علّي يقضي ديني»(2).
وروى الهيثمي عن علّي، قال: «طلبني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فوجدني في جدول نائماً، فقال: قم، ما ألوم النّاس يسمّونك أبا تراب، قال: فرآني كأني وجدت في نفسي من ذلك فقال لي: والله لأرضينك، أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل عن سنّتي وتبرىء ذمّتي، من مات في عهدي فهو كنز الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبّك بعد موتك ختم الله له بالأمن والايمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهليّة وحوسب بما عمل في الإسلام»(3).
وروى عن جابر بن عبدالله، قال: «دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العبّاس بن عبد المطلب، فقال: اضمن عني ديني ومواعيدي، قال: لا اطيق ذلك فوقع به ابنه عبد الله بن عبّاس، فقال: فعل الله بك من شيخ، يدعوك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتقضي عنه دينه ومواعيده، فقال: دعني عنك فإن ابن أخي يباري الرّيح، فدعا علي بن أبي طالب فقال: اضمن عنّي ديني ومواعيدي، فقال: نعم، هي علّي فضمنها عنه»(4).
وروى الزّرندي بأسناده عن ابن جنادة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا يقضي ديني الاّ أنا، أو عليّ»(5).
وروى عن علّي عليه السّلام قال: «قال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي يقضي ديني وينجز موعدي وخير من أخلف بعدي من أهلي»(6).
وروى ابن عساكر بأسناده عن علي، قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: اعطيت في علّي خمس خصال لم يعطها نبي في أحد قبلي، أمّا خصلة منها، فانّه يقضي ديني، ويواري عورتي، وامّا الثانية، فإنّه الذائد عن حوضي، وأما الثّالثة فإنه متكّأي في طريق الجسر يوم القيامة، وامّا الرابعة فإن لوائي معه يوم القيامة وتحته آدم وما ولد، وامّا الخامسة، فإني لا أخشى أن يكون زانياً بعد احصان ولا كافراً بعد ايمان»(7).
أقول: روى العياشي باسناده عن علّي بن الحسين قال: «ماتت خديجة قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة، فلمّا فقدهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سئم المقام بمكّة ودخله حزن شديد وأشفق على نفسه من كفّار قريش، فشكى إلى جبرئيل ذلك فأوحى الله إليه: يا محمّد، (أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا)(8)، وهاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكّة ناصر وانصب للمشركين حرباً، فعند ذلك توجّه رسول الله إلى المدينة»(9).
قال العلامة المجلسي: «وروى الثّعلبي في تفسيره قال: لما أراد النّبي الهجرة خلف علّياً لقضاء ديونه وردّ الودائع الّتي كانت عنده»(10).
وقال السّيد ابن طاوس: «ثم العجب انّه ما كفاه ذلك كلّه حتّى يقيم ثلاثة أيّام بمكّة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يردّ الودائع ويقضي الدّيون ويجهّز عياله ويسدّ مسدّه، ويحمل حرمه إلى المدينة بقلب راسخ ورأي شامخ»(11).
وهكذا نجد أن الأخبار في انّ علّياً عليه السّلام قضى دين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم متواترة، ولكن من ذهب الله بنوره ـ كابن تيميّة ـ تنكّر لهذه الروايّات، قائلا: «انّ دين النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يقضه علّي، بل في الصّحيح انّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مات ودرعه مرهونة عند يهوديّ على ثلاثين وسقاً من شعير ابتاعها لأهله، فهذا الدّين الّذي كان عليه يقضي من الرّهن الّذي رهنه، ولم يعرف على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم دين آخر»(12).
ولا يخفى عليك وجه المغالطة في ذلك، فانّ عليّاً قضى ديون النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند هجرته من مكّة إلى المدينة، وأين هذا ممّا استدّل به ابن تيميّة حول ديون النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند موته؟!.
(1) الخصائص ص 4.
(2) كنز العمّال، باب ذكر الصّحابة ج11 ص 604 طبع حلب، ورواه الهيثمي في مجمع الزّوائد ج9 ص113، وابن حجر في الصواعق المحرقة ص75.
(3) مجمع الزّوائد ج9 ص121.
(4) مجمع الزوائد ج9 ص113.
(5) نظم درر السمطين ص98.
(6) المصدر.
(7) ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص342، الحديث 844.
(8) سورة النّساء: 75.
(9) تفسير العياشي ج1 ص257 رقم 192.
(10) البحار، الطبعة القديمة ج6 ص422 والطبعة الحديثة ج19 ص86.
(11) الطرائف ج1 ص34.
(12) منهاج السنّة ج4 ص96.