الباب السَّادِس عَشر: عليٌّ (عليه السلام) وَالقتَال
1 ـ علي عليه السّلام يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتل رسول الله (ص) على تنزيله.
2 ـ انّه عليه السّلام يقاتل والملائكة عن يمينه وشماله.
3 ـ علي عليه السّلام صاحب راية رسول الله (ص) في الدارين.
علي يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله على تنزيله
روى أحمد والحاكم وغيرهما بالاسناد عن أبي سعيد الخدري يقول: «كنا جلوساً ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله، فتخلف عليها علي يخصفها فمضى رسول الله ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه، فقال: ان منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا، ولكنه خاصف النعل، قال: فجئنا نبشره، قال: وكأنه قد سمعه»(1).
وروى الخوارزمي بأسناده عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: «كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ببقيع الغرقد، فقال: والذي نفسي بيده ان فيكم رجلا يقاتل الناس بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت المشركين على تنزيله، وهم يشهدون أن لا اله الاّ الله، فيكبر قتلهم على الناس حتى يطعنوا على ولي الله وسخطوا فعله كما سخط موسى أمر السفينة وقتل الغلام وأمر الجدار، وكان خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لله رضي، وسخط ذلك موسى، أراد بالرجل علي بن أبي طالب»(2).
قال محمّد بن طلحة: «انّ التنزيل والتأويل أمران متعلقان بالقرآن الكريم فتنزيله مختصّ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فإن الله تعالى وتقدّس أنزل القرآن عليه لا نواع من الحكم قدّرها وأرادها، فقال تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(3) وقال سبحانه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْء وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(4) وقال عزوعلا: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَْمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ)(5)إلى غير ذلك من الآيات البينات الدالة على هذه الحكم التي تنزيله عليه عليه الصلاة والسلام طريق إلى تحصيلها وهذا الأمر يختّص برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا يمكنه تحصيل تلك الحكم والمقاصد المنوطة بالقرآن الكريم الا بتنزيله فقد كذب به وجحده فاتصف بصفة الكفر على ما قاله سبحانه وتعالى: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ)(6) (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّار كَفُور)(7) فانكروا تنزيله على ما نطق به القرآن الكريم: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَر مِّن شَيْء)(8)فيتعين قتالهم إلى أن يؤمنوا فقاتل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أن دخل الناس في دين الله افواجاً، هذا بيان القتال على تنزيله.
أمّا التأويل، فمعناه تغييره وما يؤول اليه آخر مدلوله، فمن حمل القرآن الكريم على معناه الذي اقتضاه لفظه من مدلول الخطاب وفسره بما تناوله من معانيه المراد به، فقد أصاب سنن الصواب، ومن صدف عن ذلك وصرفه عن مدلوله ومقتضاه وحمله على غير ما أريد به ما يوافق هواه وتأويله بما يضل به عن نهج هداه معتقداً ان محمله الذي ادعاه، ومقصده الذي افتراه هو المدلول الذي أراده الله، فقد ألحد في القرآن حيث مال به عن مدلوله ووضعه غير موضعه وأثبت به ما لا يحل اثباته، وخالف فيه أئمة الهدى واتبع دواعي الهوى، فيتعين قتاله إن أصر على ضلالته، وداوم على مخالفته، واستمر في جهالته وتمادى في مقالته إلى أن يفيء إلى أمر الله تعالى وطاعته، ولهذا جعل رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم القتال على تأويله كالقتال على تنزيله، فقد ظهر مناط القتال على التأويل كما ظهر مناط القتال على التنزيل، وقد اشترك الا مران في أن كلاً منهما قتال مبطل ضال ليرجع عن ابطاله وضلالته، وافترقا في ان الجريمة الصادرة من المقاتلين على التنزيل أعظم وأشد من الجريمة الصادرة من المقاتلين على التأويل، فلهذا كانت المقاتلة على اعظم الجريمتين مختصة بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومنصب النبوة، فقام بها صلّى الله عليه وآله وسلّم ودعى اليها وقاتل الذين كفروا حتى آمنوا، وكانت المقاتلة على جريمة التأويل التي هي دون الجريمة الأولى موكولة الى الإمام دون النبوة فهي فرعها، فقام بها علي عليه السّلام ودعى اليها وقاتل الخوارج المتأولين، فانهم عمدوا إلى آيات من القرآن الكريم نزلت في الكفار واختصت بهم فصرفوها عن محلّ مدلولها وحملوها على المؤمنين واستدلوا عليهم بها»(9).
(1) مسند أحمد ج3 ص32، 82، المناقب، الحديث 202، المستدرك ج3 ص122 ورواه المتقي في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ص37 ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص102، والوصابي في أسنى المطالب الباب 18 ص113.
(2) المناقب الفصل السابع ص44 ورواه المتقي في كنز العمال ج11 ص613 ومنتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد ج5 ص30.
(3) سورة إبراهيم: 1.
(4) سورة النحل: 89.
(5) سورة الشعراء: 192ـ193ـ194.
(6) سورة العنكبوت: 147.
(7) سورة لقمان: 32.
(8) سورة الانعام: 91.
(9) مطالب السؤل ص59 مخطوط.