علي يشبه يوسف
روى محب الدين الطبري باسناده عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، والى نوح في حكمته، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب»(1).
قال العاصمي: «وقعت المشابهة بين المرتضى رضوان الله عليه وبين يوسف الصدّيق صلوات الله عليه بثمانية اشياء: اولها: بالعلم والحكمة في صغره، والثّاني: بحسد الاخوة له، والثالث: بنكثهم العهود فيه، والرابع: بالجمع له بين العلم والملك في كبره، والخامس: بالوقوف على تأويل الاحاديث، والسادس: بالكرم والتجاوز عن اخوته ،والسابع: بالعفو عنهم وقت القدرة عليهم، والثامن: بتحويل الديار.
1 ـ أما تخصيصه بالعلم والحكمة في صغره: فقوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً)(2) فدلّت الآية على انّه عليه السّلام لما قارب الحلم ولم يبلغ الاستواء بعد، اكرم بالعلم والحكمة ولذلك لم يقيده بالاستواء، ولقن من العلم والحكمة والفهم ما لا يتعلق حكمه بتعليم مخلوق، بل فتح الله تعالى عليه أبوابها ويسر له أسبابها، وكذلك المرتضى رضوان الله عليه لم يراهق الحلم وقد أوتي من العلم والحكمة ما لم يؤت مثله أقرانه وفتح عليه من أبوابها ما لم يقم بمثلها اخوانه ولذلك قال عليه السّلام: «يا علي ملئت علماً وحكمة».
2 ـ وامّا حسد اخوته له: فان يوسف الصدّيق عليه السّلام لما اكرمه الله تعالى بما اكرمه من تخصيص الذات وكمال الصفات ولم ير اخوانه في انفسهم امثاله ورأوا شفقة أبيهم عليه السّلام عليه وسأله زيادة على من كان منه عليهم فحملهم ذلك على الحسد والبغي، واجتهدوا في أمره بالنشر والطي والأمر والنهي، يدل عليه قوله تعالى: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ)(3) الى قوله (قَوْماً صَالِحِينَ)(4) فكذلك المرتضى رضوان الله عليه لما رجح الى خصائص الذات وكمال الصفات زيادة على عشيرته واقربائه وبين اخوانه ونظرائه، ولقد كان المصطفى صلوات الله عليه يخصه في كنفه ويختصه ببره ولطفه منذ صغره الى كبره، ولقد كان عليه السّلام ضمه إلى نفسه فينفق عليه من خالص ماله حين قلّت ذات يد أبي طالب، وتكفل به ولم ير اكفاؤه من بني اعمامه وعماته وبني اخوانه واخواته عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم مثل ذلك، فكان يحك ذلك في صدورهم طبيعة، الاّ انهم كانوا يردونه عنهم ولما يظهرونه علماً وشريعة إلى أن قام المرتضى رضوان الله عليه بالأمر دونهم، فاظهروا خفاياهم ومكنونهم.
3 ـ وامّآ نكثهم العهود فيه: فان اخوة يوسف عليه السّلام لما استأذنوا أباهم في الخروج بيوسف عليه السّلام معهم فأبى عليهم في ذلك إلى ان اخذ عليهم العهود والمواثيق ان يردوه إليه واذن لهم فقالوا (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ) إلى أن (أَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ)(5) وباعوه فكذلك المرتضى رضوان الله عليه كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، قد اخذ عليهم العهود والمواثيق فيه [في مواطن كثيرة].
4 ـ وامّا الجمع بين الملك والعلم في كبره: فان يوسف عليه السّلام… اجتمع له الملك والعلم والنبوّة ولذلك قال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)(6) الآية، فكذلك المرتضى رضوان الله عليه، جمع الله له بين العلم والملك في كبره.
5 ـ وامّا الوقوف على تأويل الأحاديث: فقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)(7) الآية، فلما علّم الله سبحانه يوسف الصدّيق تأويل الاحاديث رفع به درجاته وكان ذلك سبب خلاصه ونجاته… فكذلك المرتضى رضوان الله عليه، علّمه الله تأويل الاحاديث كما ذكرناه في فصل قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «انا مدينة العلم وعلي بابها»… وعن الحارث بن المغيرة عن أبي جعفر انه سمعه يقول: علّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أميرالمؤمنين علياً ألف كلمة كل كلمة يفتح ألف كلمة.
6 و7 ـ وامّا الكرم في التجاوز والعفو عن اخوته بعد قدرته عليهم: فقوله تعالى عنهم: (تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ)(8) قال: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
فلما جمع الله تعالى بين يوسف واخوته وملكه عليهم بقدرته عفا عنهم بكرمه وأسبغ عليهم فنون نعمه… كذلك المرتضى رضوان الله عليه لما قدر على طلحة وعايشة عفا عنهم…
8 ـ واما تحويل الديار: فكما يوسف هاجر من كنعان، كذلك المرتضى رضوان الله عليه، هاجر هجرتين من مكة ومن المدينة…».
قال البياضي: يوسف (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ)(9) ونزل في علي واهله (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً)(10) ولما بان لأخوته فضله، حسدوه واظهروا نصحه وفي الباطن عادوه، وقريش سلموا على علي بامرة المؤمنين وفي الباطن مقتوه، وقيل ليوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ)(11) وعليّ الصديق الأكبر، وفي يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً)(12) وعليّ أوتي الأخوّة والخلافة والعلم صغيراً، وفي يوسف (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ)(13) وفي علي (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)(14).
(1) الرّياض النضرة ج3 ص249. ورواه السيّد شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ص459.
(2) سورة القصص: 14.
(3) سورة يوسف: 8ـ9.
(4) سورة يوسف: 8ـ9.
(5) سورة يوسف: 15، 101، 6، 91، 92.
(6) سورة يوسف: 101.
(7) سورة يوسف: 6.
(8) سورة يوسف: 91.
(9) سورة يوسف: 101.
(10) سورة الدّهر: 20.
(11) سورة يوسف: 46.
(12) سورة يوسف: 22.
(13) سورة الدّهر: 8.
(14) سورة الدّهر: 6.