علي يشبه عيسى
روى الخوارزمي بإسناده عن أبي الحمراء مولى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من أراد أن ينظر الى آدم في علمه، والى موسى في شدته، والى عيسى في زهده، فلينظر إلى هذا المقبل فأقبل علي»(1).
وروى الحاكم بإسناده عن ربيعة بن ناجد عن علي رضي الله عنه قال: «دعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا علي، ان فيك من عيسى مثلاً أبغضته اليهود حتى بهتوا امه واحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها، قال: وقال علي: ألا وانّه يهلك فيّ محب مطر يقرظني بما ليس فيّ، ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا واني لست بنبي ولا يوحى اليّ ولكني اعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم ما استطعت، فما أمرتكم به من طاعة الله تعالى فحق عليكم طاعتي فيما احببتم او كرهتم، وما امرتكم بمعصية أنا وغيري فلا طاعة لأحد في معصية الله عزّوجلّ، انما الطاعة في المعروف»(2).
وروى النسائي بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا علي فيك مثل من مثل عيسى ابغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به»(3).
وروى الحمويني باسناده عن ربيعة بن ناجد عن علي عليه السّلام قال: «دعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا علي، ان فيك من عيسى مثلاً ابغضته اليهود حتى اتهمو أمه، وأحبته النصارى حتى انزلوه بالمنزل الذي ليس به»(4).
وروى الخوارزمي باسناده عن أبي رافع قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، لولا ان تقول طوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بأحد من المسلمين الاّ أخذوا التراب من أثر قدميك يطلبون البركة»(5).
وبإسناده عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال: «قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم فتحت خيبر: يا علي، لو لا أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ من المسلمين الا واخذوا تراب نعليك وفضل طهورك يستشفون به. ولكن حسبك ان تكون مني وانا منك ترثني وأرثك، أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي، انت تؤدّي ديني وتقاتل على سنتي وأنت في الآخرة أقرب الناس مني، وانك غداً على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين، وانك اول من يرد علي الحوض، وانك أول داخل يدخل الجنة من أمتي، وان شيعتك على منابر من نور رواء مرويين مبيضة وجوههم حولي اشفع لهم فيكونون غداً في الجنة جيراني، وان عدوك غداً ظماء مظمئين مسودة وجوههم مقمحين، يا علي حربك حربي وسلمك سلمي وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي، وان ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي، وان الحق معك والحق على لسانك، ما نطقت فهو الحق وفي قلبك وبين عينيك، والايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وان الله عزّوجلّ امرني أن ابشرك أنت وعترتك ومحبيك في الجنة وان عدوك في النار، يا علي لا يرد الحوض مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك، قال: قال علي عليه السّلام فخررت ساجداً لله سبحانه وتعالى وحمدته على ما انعم به علي من الاسلام والقرآن وحببني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين صلّى الله عليه وآله وسلّم»(6).
ورواه ابن المغازلي باسناده عن جابر بن عبدالله(7).
قال العاصمي: «وقعت المشابهة بين المرتضى رضوان الله عليه وبين عيسى صلوات الله عليه بثمانية أشياء: أولها: بالاذعان لله الكبير المتعال، والثّاني: بعلمه بالكتاب طفلا ولم يبلغ مبلغ الرجال، والثّالث: بعلمه بالكتابة ووجوه الانفصال والاتصال، والرابع: بهلاك الفريقين فيه من أهل الضلال، والخامس: بالزهد في الدنيا، والسادس: بالكرم والافضال، والسابع: بالاخبار عن الكوائن في الاستقبال، والثامن: بالكفاية والاشكال.
1 ـ اما الاذعان لله الكبير المتعال: فالاقرار له بالربوبية والنداء على نفسه بالعبودية فقوله تعالى حكاية عنه، (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ)(8) ولما علم الله سبحانه من أمر النصارى واختلاف احزابهم فيه فجعل اول ما افتتح به عيسى عليه السّلام ما يكون حجة عليهم وتبرياً عنهم..
فكذلك المرتضى رضوان الله عليه لما علم الله سبحانه من بعض الناس القول فيه بالغلو فانطلق لسانه بما تبرء عنهم وذلك قوله رضي الله عنه «انا عبدالله واخو رسوله…».
2 ـ واما علمه بالكتاب طفلا ولم يبلغ مبلغ الرجال: فقوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ)(9) وروي عن ابن عبّاس، قال: «أول من آمن بعيسى بن مريم يحيى بن زكريا عليهما السّلام ثم انقطع عنه الكلام حتى ادرك يعني عيسى عليه السّلام، فلما ادرك رجع عيسى وأمه إلى ارضهم وهو ابن اثنتي عشرة سنة وكتب الانجيل من ظهر قلبه وعلم تفسيرها، فكان يحدّثهم وهم يتعجبون من كثرة علمه في حداثة سنه.
وكذلك المرتضى رضوان الله عليه، كان اول من آمن بالرسول من بني اعمامه، لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أوحي اليه يوم الاثنين واسلم علي رضي الله عنه يوم الثلاثاء، كما ذكرناه، ثم انه اوتي العلم في حداثة سنّه، فبلغ منه مبلغاً لم يبلغه غيره، لأنه مذ اسلم كان يسمع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويتعلم منه، وقد كان النبي عليه السّلام يغرّه بالعلم غراً ويسر إليه من علومه ما لم يسر إلى مثله سراً.
3 ـ واما الكتابة بوجوه الاتصال والانفصال: فقوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) قيل: معناه الكتابة بالقلم وكان عيسى في الكتابة آية كما كان في سائر الاشياء آية.
فكذلك المرتضى رضوان الله عليه علم الكتابة والخطابة وأوتي الفضل والاصابة، وكان كاتب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يكتب له العقود والعهود.
4 ـ واما هلاك الفريقين فيه من أهل الضلال: فان عيسى يهلك فيه اليهود والنصارى، اما اليهود فانهم ينسبونه إلى السحر والغي، واما النصارى فانهم يقولون بالاقانيم الثلاثة او بالبنوّة، أو بالشركة، أو بالربوبية، وجميعها متضادة وكلا الفريقين ضالاّن، ومأواهم النار وبئس المصير…
فكذلك المرتضى رضوان الله عليه، يهلك فيه الخوارج المارقة والروافض الضالة… عن ربيعة بن ناجد عن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فيك مثل من عيسى بن مريم، ابغضته اليهود حتى بهتوا امه وأحبّته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس له، ثم قال علي: يهلك فيّ رجلان محب يعرفني بما ليس فيّ ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني.
5 ـ واما الزهد في الدنيا ذات الانتقال: فقد قال عيسى عليه السّلام فيما روي عنه: مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له ضرّتان إنْ أرضى احداهما اسخط الاخرى. وقال: بحق اقول لكم ان رأس كل خطيئة حب الدنيا…
فكذلك المرتضى رضوان الله عليه، روي انه وضع درهماًعلى كفه وقال: أما إنك ما لم تخرج عني لم تنفعني. وقال ايضاً: لا يدع النّاس شيئاً من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم الا فتح الله عليهم ما هو اضر لهم منه… عن أبي مريم قال: سمعت عمّار بن ياسر ـ ونحن بصفين ـ يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي بن أبي طالب: ان الله زيّنك بزينة لم يتزين العباد بشيء احب إلى الله منها وهو زينة الابرار عند الله تعالى: زهدك في الدنيا، فجعلك لا تنال منها ولا تنال الدنيا منك شيئاً. وروي ان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه خرج إلى السوق ـ وعليه ثياب غليظة غير غسيل ـ فقيل له يا أميرالمؤمنين لو لبست ألين من هذا، فقال: هذا اخشع للقلب، فأشبه بشعار الصالحين فأحسن أن يقتدي به المؤمن.
6 ـ وامّا الكرم والافضال: فقد كانت شريعة المسيح صلوات الله عليه مبنية على الكرم، وذلك انه كان في شريعته إذا لطم أحدهم على خدّه اليمنى كان يجب على الملطوم ان يعرض بوجهه عنه ولا ينتصر ولا يكافيه، بل يريه خده اليسرى ليضربها ايضاً ان شاء، وهذا هو اصل الكرم في اللغة… وذلك قوله عزّوجلّ: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)(10) اي معرضين عنه يدل عليه قوله عزّوجلّ في موضع آخر: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)(11).
فكذلك المرتضى رضوان الله عليه… من كرمه ما روي ان ابن ملجم ـ لعنه الله ـ كان يدخل عليه فيقرّبه ويدنيه ويقول: هذا قاتلي، ويتمثل بقوله الشاعر:
أريد حياته ويريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مرادي
ومن ذلك: ما روي ان رجلا اتى أمير المؤمنين رضوان الله عليه وقال: ان لي حاجة رفعتها إلى الله تعالى قبل أن ارفعها إليك، فان قضيتها فالحمد لله واشكرك، وان لم تقضها لي أحمد الله واعذرك، فقال المرتضى رضوان الله عليه اكتب على وجه الأرض حاجتك لئلا أرى أثر المسألة على وجهك. فكتب: اني فقير، فأمر له بحلّة، فلما أخذها انشأ الرجل يقول:
كسوتني حلّة تبلى محاسنها *** فسوف اكسوك من ثوب الثنا حُللا
ان نلت حسن ثنائي نلت مكرمة *** ولست تبغي بما قد نلته بدلا
انّ الثناء ليحيي ذكر صاحبه *** كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا
لا تزهد الدهر في عرف بدأت به *** فكل عبد سيجزى بالذي فعلا
7 ـ واما الأخبار عن الكوائن في الاستقبال: فقوله: (وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)(12) وقوله: (وَمُبَشِّراً بِرَسُول يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)(13)فكان عيسى عليه السّلام يخبرهم بما أكلوه بالبارحة وعمّا ادّخروه في بيوتهم، فيكون الأمر كما أخبرهم.
فكذلك المرتضى رضوان الله عليه كان يخبر عمّا يكون في هذه الأمة من الفتن والحوادث، فيجدونه على ما أخبر.
8 ـ واما الكفاية والاشكال: فان يحيى بن زكريا عليهما السّلام قد كان ابن خالة عيسى عليه السّلام فعضده الله تعالى ونصره به، فكان يحيى أول من آمن بعيسى عليهما السّلام كما ذكرناه، وكان كفواً له ويصلح لأن يقوم مقامه في أمره.
فكذلك المرتضى رضوان الله عليه كان كفواً للرسول عليه السّلام يصلح لأن يقوم مقامه في أمره، ولعمري ان كفاءة المرتضى رضوان الله عليه للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كانت أوكد من كفاءة يحيى لعيسى، لأن المرتضى كان ابن عم، وابن العم أقرب نسباً من ابن الخالة لأن اتصال الانساب بالآباء اقرب من اتصالها بالأمهات، فالعم صنو الأب، ولذلك قال عليه السّلام: عم الرجل صنو ابيه…
وعن ابن عبّاس، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم فتح مكة متعلقاً باستار الكعبة وهو يقول: «اللهم ابعث اليّ من بني عمي من يعضدني، قال: فهبط جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد أو ليس الله قد أيدك بسيف من سيوف الله مجرد على اعداء الله، علي بن أبي طالب، والله لا يزال دينك مثبتاً حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد، أقسم بربّي عزّوجلّ قسماً حقّاً ليصليّنه جحيماً وليسقيّنه حميماً، أفرضيت يا محمّد؟ قال: نعم.
عن حبشي بن جنادة السلولي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: «علي مني وأنا منه، لا يؤدي عني الاّ أنا أو علي عليه السّلام».
قال البياضي: «عيسى نزلت المائدة عليه، ونزلت على علي بنقل أهل المذاهب الأربعة فيه، وقال في عيسى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ)(14) وفي علي (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(15) وفي عيسى: (وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ)(16) وعليّ أحيى سام وأهل الكهف والجمجمة بإذن الله. واختلف في عيسى، فاليعقوبية: هو الله، والنسطورية: هو ابن الله، والاسرائيلية: هو ثالث ثلاثة لله، واليهود: هو كذاب على الله، والمحقون: هو عبدالله. واختلف في علي، فالمسلمون: هو عبدالله، والغلاة: هو الله، والخوارج: كافر بالله، والمخالفون: انه رابع افتراء على الله، والمؤمنون المحقون: انه المقدم من الله، ولأجل ذلك قال النبي صلّى الله عليه وآله: انه أشبه الخلق بعيسى»(17).
(1) المناقب الفصل التاسع عشر ص219.
(2) المستدرك على الصّحيحين ج3 ص123، ورواه أحمد في مسنده ج1 ص160، والشبلنجي في نور الأبصار ص93 وابن حجر في الصواعق المحرقة ص74.
(3) الخصائص ص27. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص96.
(4) فرائد السمطين ج1 ص137.
(5) المناقب الفصل التّاسع عشر ص220.
(6) المناقب الفصل الثّالث عشر ص75، ورواه القندوزي في ينابيع المودّة الباب الثالث عشر ص63.
(7) مناقب علي بن أبي طالب ص237 حديث 285.
(8) سورة مريم: 30.
(9) سورة آل عمران: 48.
(10) سورة الفرقان: 72.
(11) سورة القصص: 55.
(12) سورة آل عمران: 49.
(13) سورة الصّف: 6.
(14) سورة آل عمران: 48.
(15) سورة الرّعد: 43.
(16) سورة آل عمران: 49.
(17) الصّراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ج1 ص103.