علي يشبه أيوب
قال العاصمي: «وقعت المشابهة بين المرتضى رضوان الله عليه وبين ايوب صلوات الله عليه بثمانية اشياء: احدها: بالبلايا في بدنه، والثّاني: بالبلايا في ولده، والثالث: بالبلايا في ماله، والرابع: بالصبر على الشدائد، والخامس: بخروج الجميع عليه، والسادس: بشماتة الاعداء، والسابع: بالدعاء لله تعالى فيما بين ذلك وترك التوالي فيها، والثامن: بالوفاء للنذر والاجتناب عن الخبث.
1 ـ اما البلايا في ماله: إذ كان لأيوب ستة آلاف بعير… وسبعة آلاف شاة… وخمس مائة فدان يتبع كل فدان عبد ولكل عبد امرأة وولد،… هلكوا جميعاً ولم يبق منهم شيء.
2 ـ اما البلاء في ولده:… فزلزل بهم القصور حتى تداعت عليهم وجرحتهم ثم قلبها عليهم فصاروا ميتين.
3 ـ اما البلاء في البدن: أيوب عليه السّلام كان ساجداً فأتاه ابليس من تحت الأرض فنفخ في احدى منخريه نفخةً اشتعل منها جسده ونبتت منه ثآليل مثل اليات الغنم العظام، فاخذته حكة شديدة فحك بأظفاره حتى سقطت أظفاره،وحك بالعظام وبالحجارة الخشنة وقطع المسوح حتى نغل جسده وفسد، وآذى أهل القرية واخرجوه من قريتهم وجعلوه على تل واتخذوا له عريشاً ورفضه جميع خلق الله الاّ امرأته، فانها كانت تختلف اليه بما يصلحه… ولم يزل أيوب عليه السّلام يلوم نفسه ويرضى بما قضى الله تعالى عليه إلى ان جاء وقت الفرج فشفاه الله، الحديث.
فكذلك المرتضى رضوان الله عليه، ابتلي بأنواع البلايا في نفسه وبدنه وولده، وأخبر عليه السّلام بما يصيبهم بعد موته حتى كانت عنده كالعيان والمشاهدة، فصبر عليها ورضي واستسلم لما قضى عليه، وكذلك ابتلي بأنواع البلايا في ماله، فمنها آية النجوى ومنها ما اثنى الله تعالى عليه به في قوله: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(1) الآية. فتصدق بالخاتم وهو راكع…
4 ـ واما الصبر على الشدائد: لما أخبر أيوب بهلاك ماله وولده قال: الحمد لله حين اعطاني والحمد لله حين أخذ، وكذلك المرتضى رضي الله عنه ابتلي بالشدائد فصبر عليها.
5 ـ بخروج الجميع على ايوب: تركه قومه واخرجوه من قريتهم، وكذلك المرتضى ابتلي بخروج الجميع عليه من بين صاحب ورفيق… حتى ان اخاه عقيل ابن أبي طالب تركه وصار اليه معاوية.
6 ـ ابتلي أيوب بشماتة الأعداء: وبشماتة عدو الله ابليس. كذلك المرتضى رضوان الله عليه ذكر أن نصرانياً مر على أميرالمؤمنين المرتضى كرم الله وجهه حين تتابعت عليه الأمور، فقال: ما أسرع ما تنازعتم فأجابه أميرالمؤمنين رضي الله عنه، قال… تنازعنا في الملك وتنازعتم في المالك، فانظر كيف شمت به النصراني وكيف أجابه؟
7 ـ وكذلك وقعت المشابهة بين المرتضى رضوان الله عليه وبين أيوب عليه السّلام، بالدعاء لله جل جلاله، فقال أيوب عليه السّلام: (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(2) وروى عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: ان الله تبارك وتعالى كان أرحم بأيوب أن لو دعاه بكشف البلاء، لكشفه، ولكنه اعتقل لسانه عن الدعاء حتى كملت له سبع حجج لم يدع فيها لكشف البلاء، فكان أول ما دعا به حين اطلق الله تعالى عنه فقال: (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وقال: (مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْب وَعَذَاب)(3)فكشف الله تعالى عنه البلاء من يومهم أو من ساعته، وروي عن ابن أبي داود قال: وسوست الشياطين إلى ايوب عليه السلام فقالوا له انك مجاب الدعوة فلو دعوت ربك ان يكشف عنك فقال أيوب: كنت كذا وكذا سنة في الرخاء فسأصبر حتى اكون مثلها في البلاء، فعند ذلك صاح ابليس اللعين، وقال: يا ويلاه قد وطّن نفسه على ان يمكث كذا وكذا سنة في البلاء صابراً. فكذلك المرتضى رضوان الله عليه في طول ما ابتلي بانواع البلاء من الشّراة والخوارج والحرورية والشامية كان يصبر ويقول: انك ان صبرت جرت عليك المقادير وانت مأجور، وان جزعت جرت عليك المقادير أنت مأزور ولم يكن يدعو الله سبحانه بالفرج، فلما دنا يومه وقرب نزول القضاء به اضجره قومه حتى دعا الله سبحانه، فقال: اللهم اني قد كرهتهم وكرهوني فارحني منهم وارحهم منّي، فما بات الا تلك الليلة وقد ذكرناه في حديث مقتله رضي الله عنه فاستجاب الله تعالى دعاه واكرمه بالفرج وألحقه بسيد المصابيح والسرج محمّد صلوات الله عليه.
8 ـ ابتلى ايوب عليه السّلام بالوفاء والنذر: قوله تعالى: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ)… وعمل بما حلف قال الله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ)(4). فكذلك المرتضى رضوان الله عليه، نذر لله تعالى على ولديه حين مرضا فوفى بنذره هو وفاطمة الزهراء والجارية رضوان الله عليهم قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)(5) الآية».
قال البياضي: أيوب (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً)(6) وفي علي (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ).
(1) سورة المائدة: 55.
(2) سورة الانبياء: 83.
(3) سورة ص: 41.
(4) سورة ص: 44.
(5) سورة الدهر: 7.
(6) سورة البقرة: 177.