علي يشبه آدم
قال العاصمي: «وقد وقعت المشابهة بين المرتضي وبين آدم عليه السّلام بعشرة أشياء أوّلها، بالخلق والطينة، والثّاني، بالمكث والمدّة، والثّالث، بالصّاحبة والزّوجة، والرّابع، بالتزويج والخلعة، والخامس، بالعلم والحكمة، والسّادس بالذّهن والفطنة، والسّابع، بالأمر والخلافة، والثّامن بالأعداء والمخالفة، والتاسع بالوفاة والوصّية، والعاشر، بالأولاد والعترة.
أمّا الخلق والطّينة: فانّ آدم عليه السّلام خلق من الطّين وخلط طينة بنور اليقين، فكان طينيّاً دينيّاً، وكذلك المرتضى خلق من الطينة الطّاهرة والتربة الزّكية الزّاهرة… قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كنت أنا وعلّي نوراً بين يدي الله عزّوجلّ من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم نقل ذلك النّور من صلبه فلم يزل ينقله من صلب إلى صلب حتّى أقرّه صلب عبد المطلب فقسّمه قسمين، فصيّر قسمي في صلب عبدالله وقسم علّي في صلب أبي طالب، فعلّى منّي وأنا منه لحمه من لحمي ودمه من دمي، فمن احبّه فبحبي أحبّه ومن أبغضه فببغضي أبغضه…
وعن ابن عمر، قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالس ذات يوم ببطحاء مكّة، إذ هبط عليه جبرئيل الرّوح الأمين، قال: يا محمّد، انّ ربّ العرش يقرأ عليك السّلام ويقول لك: لما اخذ ميثاق النبّيين أخذ ميثاقك في صلب آدم عليه السّلام، فجعلك سيّد الأنبياء وجعل وصيك سيّد الاوصياء علي بن أبي طالب، ويقول يا محمّد، وعزّتي لو سألتني أن أزيل السماوات والأرض لازلتهما لكرامتك علّي…
وعن أنس بن مالك عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: كلّ مولود يولدُ على الفطرة فهو في سرية من التربة التّي خلق منها وأنا وعلي بن أبي طالب خلقنا من تربة واحدة… وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: خلقت وعليّ بن أبي طالب من نور واحد، نسبّح الله عزّوجلّ في يمين العرش قبل خلق الدّنيا، ولقد سكن آدم الجنّة ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفّينة ونحن في صلبه، ولقد قُذف إبراهيم في النّار ونحن في صلبه، فلم يزل يقلّبنا الله عزّوجلّ من اصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتّى انتهى بنا إلى عبد المطلب فجعل ذلك النّور نصفين، فجعلني في صلب عبد الله وجعل عليّاً في صلب أبي طالب وجعل في النّبوة والرّسالة وجعل في علي الفروسيّة والفصاحة واشتّق لنا اسمين من أسمائه، فرب العرش محمود وأنا محمّد، وهو الأعلى، وهذا علّي…
أمّا المكث والمدّة: روي عن ابن عبّاس من طريق الكلبي، انّه قال: لما خلق الله آدم خلقه في الأرض، فمكث مخلوقاً أربعين سنة لا يدري ما اسمه ولا ما يراد به الاّ الله عزّوجلّ، قالوا: والحكمة فيه… ليكون ايضاً فيه دلالة على حسن التأني وترك العجلة في أكثر الأمور، وكذلك المرتضى رضوان الله عليه، كذلك كانت حاله بين الصحابة من لدن بلوغه إلى أن قام بالأمر…
أمّا الصاحبة والزوجة: فانّ الله سبحانه خلق حواء من ضلع من اضلاع آدم القيصري ليكون زوجه من نفسه فيسكن اليها ويتفقا ويأتلفا ولا يتباغضا ولا يختلفا، فكذلك كانت الزّهراء رضوان الله عليها من نفس المرتضى كما كان المرتضى من طينة المصطفى، ولذلك قال عليه السّلام: انُ فاطمة بضعة منّي… وعن موسى بن عبد ربّه، قال: سمعت مولاي علّي بن أبي طالب يقول: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لو لا انّ الله عزّوجلّ خلقك ما كان لفاطمة عليها السّلام كفو…
وأمّا التزويج والخلعة: فانّ تزويج حوّاء رضوان الله عليها نزل من السماء على لسان جبرئيل عليه السّلام، وكذلك تزويج فاطمة الزّهراء رضوان الله عليها نزل من السّماء على لسان جبرئيل عليه السّلام، والّذي يدل عليه احاديث(1).
وأمّا العلم والحكمة: فانّ الله تعالى قال لآدم عليه السّلام: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)ففضلّ بالعلم العباد الذّين كانوا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون واستحقّ بذلك منهم السُّجود له فكما لا يصير العلم جهلا والعالم جاهلا فكذلك لم يصر آدم المفضلّ بالعلم مفضولا… وكذلك المرتضى رضوان الله عليه ففضّل بالعلم والحكمة.. قال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا مدينة العلم وعلّي بابها، وفي بعض الرّوايات: أنا دار الحكمة وعلّي بابها.
وذكر العاصمي بعض علوم أميرالمؤمنين علّي على النحو الآتي:
(1) علمه بالقضاء: وروى بعض اقضيته(2).
(2) علمه بالمخاطبة: وروى بعض خطبه وكتبه(3).
(3) علمه بالكوائن والملاحم والفتن واخبار الآجال. وروى بعضها ثمّ قال: أحاديث الفتن والكوائن كثيرة، وليست من شرط هذا الكتاب ولكنّا ذكرنا بعضها تحقيقاً لما ذكرنا من وقوف المرتضى على العلم بالكوائن(4).
(4) علمه بمصلحة البدن، وروي عنه سلام الله عليه في ذلك روايات(5).
(5) علمه بمعرفة الاوقات(6).
(6) رجوع الصّحابة إليه في شتّه العلوم(7).
(7) علمه بالنّحو والصّرف والحساب والهندسة(8).
وامّا الذّهن والفطنة: فانّ الملائكة وان كانوا اقدم من آدم عليه السّلام مدة واسبق منه عبادةً وخدمةً وأكثر منه تجربةً للاقوام ومعاينة للأيام، فصاروا في محل الأشياخ المعمّرين والقدماء دون المؤخّرين، وكذلك الجنّ في طول ايّامهم وكثرة اجيالهم واقوامهم وامتداد اعمارهم واشداد اعوانهم وانصارهم.. فانّه قد يكون من الجنّ المجوس والنّصارى واليهود، ويكون منهم الانكار والشرك والجحود، والملائكة هم أهل الصّفوة والمطهّرون عن الرّيبة والجفوة، ولذلك راجعوا الله سبحانه بقولهم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(9) فانّ آدم عليه السّلام كان أكثر منهم ذهناً وان كان اصغر منهم سنّاً فصار عند المقايسة بهم في محل الشباب والاحداث، ولم يضعه سنّه وحداثة عمره من رتبته التّي جعلها الله تعالى له، فقد قال سبحانه: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)(10) وقال لهم: (أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) قالوا: (سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا)(11) إلى ان قال: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) الآية، وكذلك المرتضى رضوان الله عليه، وان كان اصغرهم سنّاً فلم يضعه سنّه عن رتبته التّي جعلها الله تعالى له، لأنّه كان اوفرهم ذهناً، ولذلك أجاب عن المسائل الواقعة دونهم لدعوة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد كان الرّسول عليه السّلام علّمه دعاء يكرمه الله تعالى إذا دعاه به بالذّهن والحفظ والفطنة… وبدو اسلام المرتضى سلام الله عليه… كان اوّل من أسلم بعد خديجة عليّ بن أبي طالب وهو يومئذابن عشر سنين…
قال الحسن ويقال كان دون تسع ولم يعبد الأصنام…
وقال أبو زبيد: انّ عليّاً ساد بالتكرّم والحلم غاية التحلّم، هداه ربّه للطّريق الاقوم بأخذه الحل وترك المحرّم…
الأمر والخلافة: فانّ آدم عليه السّلام قد كان خليفته تعالى في أرضه… فكذلك المرتضى رضوان الله عليه كان خليفة الرّسول عليه السّلام في امته…
الأعداء والمخالفة: فانّ آهم عليه السّلام لما أهبط إلى الأرض وأحسّ ابليس بما يستقبله منه ومن أولاده أخذ يبذل وسع مجهوده في معاداته ومناصبته والمنع عن موالاته ومقاربته… فكذلك المرتضى رضوان الله عليه لما قام بأعباء الولاية وتمسك بوجوه الكفاية اشفق ابليس اللّعين منه ومن قيامه، لما علم من اخلاقه واقدامه وتفوّقه بوجوه الصلابة والهداية والامانة والدّراية فأغرى عليه الاعداء من كلّ جانب من بين اقارب واجانب.
أمّا الوفاة والوصيّة: فقد ذكر الواقدي بسنده قال: لما انقضى اجل آدم عليه السّلام أوحى الله تعالى إليه، ان يا آدم، انّي قابض روحك في يوم كذا في وقت كذا وهو يوم الجمعة الذّي خلقتك فيه، فأوص إلى خير ولدك هبة الله الذي وهبته لك واجعل وصيَّتك في التابوت الّذي انزلته عليك من جنّتي، وخذ عليه عهد الله وميثاقه ان يؤمن بالله وبنبيه أحمد الّذي يكون في آخر الزّمان الأمي خاتم النبّيين وسيّد المرسلين، فانّ الجنّة محرمة على من لقيني وهو لا يؤمن بي وبرسولي أحمد… فكذلك المرتضى رضوان الله عليه، أشبه آدم عليه السّلام في الوفاء والوصيّة إلى ابنه الحسن رضوان الله عليهما.. عن أبي معشر قال: قتل علي بن أبي طالب في رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربعين قال ابن بكّار: قتله ابن ملجم. وعن وهب بن جرير قال: قتل لتسع عشرة ليلة خلت من رمضان، رفانظر كيف توافقا في الوفاة يوم الجمعة لتعلم بذلك صحّة ما ذكرناه…
بالأولاد والعترة: فانّ آدم عليه السّلام لما صار إلى رحمة الله خرج أولاده من ذل الغربة والوحدة إلى عزّ الغلبة والجدة، فاخذوا الأرض بمناكبها في مشارقها ومغاربها ومسالكها ومذاهبها قرنا بعد قرن… فكذلك المرتضى. ثم قال: انّما ذكرنا هذه الأحاديث تأكيداً لما ذكرنا من ايراث الله سبحانه اولاد الرّسول عليه السّلام وجه الأرض كما أورثهم الاموال بعد الفقر والقلّة ويضيف اليها الغلبة والعزّة بعد الذلّة واليه أشار بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(12) والله لا يخلف الميعاد، ولا يحبّ الفساد.
فهذه وجوه المشابهة بين المرتضى رضوان الله عليه وبين أبينا آدم ولهذه الوجوه ولغيرها أوجبت الحكمة افتتاح السورة (هَلْ أَتَى)(13) بذكر آدم عليه السّلام ومدّته قبل ذكر المرتضى زمرته، ونعوذ بالله من التحكم عليه وعلى كتابه ولكن على وجه التخمين والامكان والله المستعان على بلاء الزّمان».
قال البياضي: «قال الله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) و(إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) وقال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «أنا مدينة العلم وعلّي بابها» و«من ناصب عليّاً على الخلافة بعدي فهو كافر» كما رواه ابن المغازلي الشافعي وغيره»(14).
(1) راجع الفصل الثّاني عشر من الباب الثّالث، والفصل التّاسع والثلاثين من الباب الثالث من زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ص 143 من المخطوطة.
(2) زين الفتى ص185.
(3) المصدر ص199.
(4) زين الفتى ص274.
(5) المصدر ص275.
(6) المصدر ص278 و279 و319.
(7) المصدر ص278 و279 و319.
(8) المصدر ص278 و279 و319.
(9) سورة البقرة: 30.
(10) سورة البقرة: 31.
(11) سورة البقرة 32 ،34.
(12) سورة الانبياء: 105.
(13) سورة الانسان: 1.
(14) الصّراط المستقيم ج1 ص100.