علي يستشير المهاجرين و الأنصار قبل المسير إلى الشام
الكتاب : قادتنا كيف نعرفهم (1) | القسم : الكتب العقائدية | القرآء : 39
علّيٌ يستشير المهاجرين والأنصار قبل المسير إلى الشام
روى نصر بن مزاحم بسنده عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال: «لما أراد علي المسير الى أهل الشام دعا اليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمّد الله وأثنى عليه وقال: «أما بعد فانكم ميامين الرأي مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، مباركوا الفعل والأمر. وقد أردنا المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم».
فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فحمد الله واثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «اما بعد يا أميرالمؤمنين فأنا بلقوم جد خبير، هم لك ولأشياعك أعداء وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء وهم مقاتلوك ومجاهدوك، لا يبقون جهداً، مشاحة على الدنيا، وضناً بما في أيديهم منها وليس لهم إربة غيرها الاّ ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان بن عفان، كذبوا ليسوا بدمه يثأرون ولكن الدنيا يطلبون. فسر بنا إليهم فان أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق الاّ الضلال وان أبوا الا الشقاق فذلك الظن بهم. والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى ولا يُسمع إذا أمر».
نصر: عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود، أن عمّار بن ياسر قام فذكر الله بما هو أهله وحمده وقال: «يا أمير المؤمنين ان استطعت الا تقيم يوماً واحداً فا[فعل، ا] شخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى رشدهم وحظهم فان قبلوا سعدوا، وان أبوا الا حربنا فوالله ان سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وهو كرامة منه».
وفي هذا الحديث: ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمّد الله واثنى عليه ثم قال: «يا أميرالمؤمنين انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرّد، فوالله لجهادهم أحب الي من جهاد الترك والروم، لا دهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من اصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان اذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه وفيئنالهم في أنفسهم حلال ونحن لهم ـ فيما يزعمون ـ قطين قال: يعني رقيق».
فقال أشياخ الأنصار، منهم خزيمة بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما: لم تقدمت اشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام؟ فقال: أما اني عارف بفضلكم معظّم لشأنكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الاحزاب.
فقال بعضهم لبعض: ليقم رجل منكم فليجب أميرالمؤمنين عن جماعتكم فقالوا: قم يا سهل بن حنيف فقام سهل فحمد الله واثنى عليه ثم قال: «يا أميرالمؤمنين، نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت، ورأينا رأيك ونحن كف يمينك وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة، فتأمرهم بالشخوص، وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل، فانهم هم أهل البلد وهم الناس فان استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب واما نحن فليس عليك منا خلاف متى دعوتنا أجبناك ومتى أمرتنا أطعناك»(1).
روى نصر بن مزاحم بسنده عن عبدالله بن شريك قال: «خرج حجر بن عدي، وعمر بن الحمق، يظهران البراءة واللعن من أهل الشام فأرسل اليهما علي: أن كفّا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا: يا أميرالمؤمنين، ألسنا محقين؟ قال: بلى. قالا: أوليسوا مبطلين؟ قال: بلى، قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين، تشتمون وتتبرءون، ولكن لو وصفتم مساوي اعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا ومن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، ولو قلتم مكان لعنكم اياهم وبراءتكم منهم: اللّهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق منهم من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به، كان هذا أحب الي وخيراً لكم فقالا: يا أميرالمؤمنين، نقبل عظتك، ونتأدب بأدبك. وقال عمرو بن الحمق: اني والله يا أميرالمؤمنين ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا ارادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان يرفع ذكري به ولكن احببتك لخصال خمس: انك ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واول من آمن به، وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واعظم رجل من المهاجرين سهماً في الجهاد. فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي حتى يأتي علي يومي في أمر اقوّي به وليّك واوهن به عدوك، ما رأيت اني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك.
فقال أميرالمؤمنين علي: اللهم نوّر قلبه بالتقى واهده الى صراط مستقيم، ليت أن في جندي مائة مثلك. فقال حجر: إذاً والله يا أميرالمؤمنين صح جندك وقل فيهم من يُغّشك»(2).
(1) وقعة صفين ص92.
(2) وقعة صفين ص103.