علي يرسل الناصحين نحو معاوية:
قال نصر: «ثم ان علياً دعا بشير بن عمرو بن محصن الانصاري وسعيد ابن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي فقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عزّوجل إلى الطاعة والجماعة، وإلى اتباع أمر الله تعالى فقال له شبث: ألا نطمعه في سلطان توليه اياه ومنزلة تكون به له أثرة عندك ان هو بايعك؟ قال علي: ائتوه الآن فالقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه ـ وهذا في شهر ربيع الآخر ـ فأتوه فدخلوا عليه، فحمد أبو عمرة بن محصن الله واثنى عليه وقال: «يا معاوية، ان الدنيا عنك زائلة، وانك راجع إلى الآخرة، وان الله عزّوجل مجازيك بعملك ومحاسبك بما قدمت يداك، واني أنشدك بالله أن تفرق جماعة هذه الأمة، وان تسفك دماءها بينها. فقطع معاوية عليه الكلام، فقال: هلا أوصيت صاحبك فقال: سبحان الله، ان صاحبي ليس مثلك، ان صاحبي احق البرية في هذا الأمر في الفضل والدين والسابقة والاسلام والقرابة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. قال معاوية: فتقول ماذا؟ قال: أدعوك الى تقوى ربك واجابة ابن عمك إلى ما يدعوك اليه من الحق، فانه أسلم لك في دينك، وخير لك في عاقبة أمرك. قال: ويطل دم عثمان، لا والرحمن لا أفعل ذلك أبداً قال: فذهب سعيد يتكلم فبدره شبث فحمد الله واثنى عليه ثم قال:
يا معاوية، قد فهمت ما رددت على ابن محصن انه لا يخفى علينا ما تقرب وما تطلب، انك لا تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم الا ان قلت لهم قتل امامكم مظلوماً فهلموا نطلب بدمه، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال، وقد علمنا انك قد أبطأت عنه بالنصر واحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب، ورب مبتغ أمراً وطالبه يحول الله دونه، وربما أوتي المتمنّي أمنيته، وربما لم يؤتها، ووالله مالك في واحدة منها خير. والله لئن أخطأك ما ترجوا انك لشر العرب حالا، ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار. فاتق الله يا معاوية، ودع ما أنت عليه، ولا تنازع الأمر أهله.
قال: فحمد الله معاوية واثنى عليه ثم قال:
«اما بعد فان أول ما عرفت به سفهك وخفة حلمك قطعك على هذا الحبيب الشريف سيد قومه منطقه، ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به. ولقد كذبت ولويت أيها الاعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت وذكرت. انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم الاّ السيف». قال: وغضب فخرج القوم وشبث يقول: أفعلينا تهول بالسيف، أما والله لنعجلنه اليك. فأتوا عليّاً عليه السّلام فأخبروه بالذي كان من قوله ـ وذلك في شهر ربيع الآخر»(1).
(1) وقعة صفين ص187.