علي و قتاله للمارقين «وقعة النهروان»
آثار التحكيم:
قال المسعودي: «وكان فيما كتب في الصحيفة أن يحيي الحكمان ما أحيى القرآن ويميتا ما أمات القرآن ولا يتبعان الهوى، ولا يداهنان في شيء من ذلك فان فعلا فلا حكم لهما والمسلمون من حكمهما براء وقال علي للحكمين حين اكره على أمرهما ورد الأشتر وكان قد اشرف في ذلك اليوم على الفتح فاخبره مخبر بما قالوا في علي وانه ان لم يرده سلم إلى معاوية يفعل به ما فعل بابن عفان، فانصرف الأشتر خوفاً على علي، فقال لهما علي: على ان تحكما بما في كتاب الله، وكتاب الله كله لي، فان لم تحكما بما في كتاب فلا حكم لكما، وصيروا الأجل إلى شهر رمضان على اجتماع الحكمين في موضع بين الكوفة والشام»(1).
وقال: «ولما وقع التحكيم تباغض القوم جميعاً واقبل بعضهم يتبرأ من بعض: يتبرأ الأخ من أخيه، والابن من أبيه، وامر عليٌ بالرحيل، لعلمه باختلاف الكلمة، وتفاوت الرأي، وعدم النظام لأمورهم، وما لحقه من الخلاف منهم وكثر التحكيم في جيش أهل العراق، وتضارب القوم بالمقارع ونعال السيوف وتسابوا، ولام كل فريق منهم الآخر في رأيه، وسار علي يؤم الكوفة ولحق معاوية بدمشق من أرض الشام، وفرق عساكره فلحق كل جند منهم ببلده»(2).
وقال: «ولما دخل علي رضي الله عنه الكوفة انحاز عنه اثنا عشر الفاً من القراء وغيرهم، فلحقوا بحرُوراء ـ قربة من قرى الكوفة ـ وجعلوا عليهم شبث بن ربعي التميمي، وعلى صلاتهم عبدالله بن الكواء اليشكري من بكر بن وائل، فخرج علي اليهم وكانت له معهم مناظرات، فدخلوا جميعاً الكوفة وانما سموا الحرورية لاجتماعهم في هذه القرية وانحيازهم اليها»(3).
وقال أيضاً: «لما قدم علي الكوفة جعلت الحرورية تناديه وهو على المنبر: جزعت من البلية ورضيت بالقضية، وقبلت الدنية، لا حكم الا لله، فيقول: حكم الله انتظر فيكم، فيقولون (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(4) فيقول علي: فاصبر ان وعد الله حق، (وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ)(5).
قال ابن الأثير: «وخطب علي ذات يوم فحكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال علي: الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل! إن سكتوا غممناهم، وان تكلموا حججناهم، وان خرجوا علينا قاتلناهم، فوثب يزيد بن عاصم المحاربي، فقال: الحمد لله غير مودع ربنا ولا مستغنى عنه، اللّهم إنا نعوذ بك من اعطاء الدنية في ديننا، فان اعطاء الدنية في الدين ادهانٌ في أمر الله وذل راجع بأهله إلى سخط الله، يا علي أبا لقتل تخوفنا؟ أما والله اني لأرجو ان نضربكم بها عما قليل غير مصفحات، ثم لتعلم أينا أولى بها صلياً، ثم خرج هو وأخوة له ثلاثة فأصيبوا مع الخوارج بالنهر وأصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة ثم خطب علي يوماً آخر فقام رجل فقال: لا حكم الا لله: ثم توالى عدة رجال يحكمون فقال علي: الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل؟ اما انّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا، لا نمنعكم مساجد الله ان تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت ايديكم مع ايدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا، وانما فيكم أمر الله، ثم رجع إلى مكانه من الخطبة»(6).
(1) مروج الذهب ج2 ص403.
(2) نفس المصدر السابق ص405ـ406.
(3) مروج الذهب ص405ـ406.
(4) سورة الزمر: 65.
(5) سورة الزمر، 65.
(6) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج3 ص334.