1 ـ علي عليه السّلام وليد الكعبة.
2 ـ علي عليه السّلام بمنزلة الكعبة.
علي وليد الكعبة
قال الحاكم النيسابوري: «تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة»(1).
وروى الحافظ ابن المغازلي بإسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه، عن محمّد ابن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السّلام قال: «كنت جالساً مع أبي ـ ونحن زائرون قبر جدّنا وهناك نسوان كثيرة ـ إذ أقبلت امرأة منهنّ فقلت لها: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا زيدة بنت قريبة بنت العجلان من بني ساعدة ـ فقلت لها: فهل عندك شيء تحدّثينا؟ فقالت: اي والله، حدثتني أمّي أم عمارة بنت عبادة ابن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي، أنها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك يا أبا طالب؟ قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يديه على وجهه، فبينا هو كذلك إذ أقبل محمّد صلّى الله عليه وآله فقال له: ما شأنك يا عمّ؟ فقال: إن فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة ثم قال: إجلسي على اسم الله، قال: فطلقت طلقة، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظفاً لم أر كحسن وجهه، فسمّـاه أبو طالب عليّاً، وحمله النبي حتى أدّاه إلى منزلها. قال علي بن الحسين: فو الله ما سمعت بشيء قط إلا وهذا أحسن منه»(2).
وقال الفقيه ابن الصباغ المالكي المكي: «ولد علي عليه السّلام بمكة المشرفة بداخل البيت الحرام… ولم يولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته»(3).
وروى الكنجي الشافعي بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: «سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله عن ميلاد علي بن أبي طالب، فقال: لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه السلام، إن الله تبارك وتعالى خلق علياً من نوري وخلقني من نوره، وكلانا من نور واحد، ثم إن الله عزّوجلّ نقلنا من صلب آدم في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكيّة، فما نقلت من صلب إلاّ ونقل علي معي، فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع علياً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان، قد عبدالله تعالى مأتين وسبعين سنة، لم يسأل الله حاجة، فبعث الله إليه أبا طالب، فلمّا أبصره المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال له: من أنت؟ فقال: رجل من تهامة، فقال: من أيّ تهامة؟ فقال: من بني هاشم، فوثب العابد فقبّل رأسه ثانية، ثم قال: يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهاماً، قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عزّوجّل، فلما كان الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس، ولد في الكعبة ولي الله عزّوجلّ، فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول:
يا رب هذا الغسق الدجيّ *** والقمر المنبلج المضيّ
بيّن لنا من أمرك الخفيّ *** ماذاترى في اسم ذا الصبيّ
قال: فسمع صوت هاتف يقول:
يا أهل بيت المصطفى النبيّ *** خصّصتم بالولد الزكي
إنّ اسمه من شامخ علي *** علي اشتقّ من العليّ»(4)
وقال الحافظ الزرندي الحنفي: «روي أنه لما ضربها المخاض، أدخلها أبو طالب الكعبة بعد العشاء، فولدت فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه»(5).
وقال محمّد بن طلحة الشافعي: «ولد علي في ليلة الأحد، الثالثة عشر من شهر رجب سنة تسعمائة وعشر، من التاريخ الفارسي المضاف إلى الإسكندر، وكان ملك الفرس يومئذ مستمراً، وكان ملكهم أبرويز بن هَرمن، وقيل بالكعبة البيت الحرام، وكان مولده بعد أن تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وآله بخديجة بثلاث سنين، وكان عمر رسول الله يوم ولادته ثمان وعشرين سنة»(6).
وقال محمّد حبيب الله الشنقيطي: «ومن مناقبه كرّم الله وجهه أنه ولد في داخل الكعبة، ولم يعرف ذلك لأحد غيره»(7).
وقال الحلبي: «وفي خصائص العشرة للزمخشري به: إنّ النبي صلّى الله عليه وآله تولّى تسميته بعليّ وتغذيته أياماً من ريقه المبارك بمصّه لسانه.
فعن فاطمة بنت أسد اُم علي رضي الله تعالى عنها قالت: لمّا ولدته سمّـاه علياً وبصق في فيه، ثم إنه ألقمه لسانه، فما زال يمصّه حتى نام. قالت: فلما كان من الغد، طلبنا له مرضعة فلم يقبل ثدي أحد، فدعونا له محمّداً فألقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله عزّوجلّ عليه السّلام».
وقال الحضرمي: «ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب الفرد الحرام سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وقيل بخمس وعشرين، وكانت ولادته بالكعبة المشرفة، وهو أول من ولد بها بل لم يعلم أن غيره ولد بها»(8).
وقال البدخشي: «وكان ولادة أميرالمؤمنين ـ كرّم الله وجهه ـ يوم الجمعة، الثالث عشر من رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، بمكّة في البيت الحرام، وسمّته اُمه حيدرة، وسمّـاه النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً فرضي أبواه بذلك، ولم يولد في البيت الحرام أحد سواه قبله ولا بعده، وهي فضيله خصّه الله بها(9).
قال العلامة الشيخ محمّد علي الغروي الاردوبادي: «إن المنقب في التاريخ والحديث جد عليم، بأن هذه الفضيلة من الحقائق التي تطابق على إثباتها الرواة وتطامنت النفوس ـ على اختلاف نزعاتها ـ على الإخبات بها، حيث لا يجد الباحث قط غميزة في إسنادها، ولا طعناً في أصلها، ولا منتدحاً للكلام على اعتبارها، وتظافر النقل لها، وتواتر الأسانيد إليها، وإن وجد حولها صخباً من شذاذ من الناس وطئه بأخمص حجاه وأهواه إلى هوّة البطلان السحيقة… قال شهاب الدين أبو الثناء السيد محمود الآلوسي المفسر، في شرح عينية عبد الباقي افندي العمري عند قول الناظم:
أنت العليّ الذي فوق العلى رفعا *** ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا
وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة… إلى قوله: ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه، بل لم تتفق الكلمة عليه، وأحرى بإمام الأئمة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين، وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين…
وإن اشتهار الحديث في الدنيا وتداوله في كتب الفريقين، لا يعدوه أن يكون متواتراً على الأقل، وهو لا يريد الشهرة والتداول في جيله فحسب، فهو لا يجديه في تبجحه بتلك المأثرة الكريمة بقوله: وما أحرى… وقوله: وسبحان… وجزمه بذلك لو كانت الشهرة منقطعاً أولها، فلا محالة أنه يريد ذلك في كلّ جيل، وهو الذي لا يبارحه التواتر على الأقل»(10).
وقال السيد حيدر الآملي: «واحتجّ آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وجماعة من الأصحاب، الذين ثبتوا على دين رسول الله وعلى عهده في ولاية علي عليه السلام بعدة من الفضائل، جعلوها سنداً لهم عند المفاضلة».
ثم قال عند حديثه عن ولادة علي: «وإنه ولد في الكعبة بالحرم الشريف، فكان شرف مكة وأصل بكة وبناء عكة، لامتيازه بولادته في ذلك المقام المنيف، فلم يسبقه أحد ولا يلحقه أحد بهذه الكرامة، ولا بلغ أحدٌ ما بلغ من السيادة والنباهة عامة، وهو بالأصالة صاحب الإمامة الإبراهيمية، وإن من شيعته لإبراهيم»(11).
وقال عبد المسيح الأنطاكي بهذا الصدد:
في رحبة الكعبة الزهراء قد انبثقت *** أنوار طفل وضاءت في مغانيها
واستبشر الناس في زاهي ولادته *** قالوا: السعود له لا بدّ لاقيها
قالوا: ابن من فأجيبوا: إنّه ولد *** من نسل هاشم من أسمى ذراريها
هنّوا أبا طالب الجواد والده *** والأم فاطمة هيّوا نهنّيها
إن الرضيع الذي شام الضيّاء *** ببيت الله عزتّه لا عزّ يحكيها
أمّا الوليد فلاقى الأرض مبتسماً *** فما رغا رهباً ما كان خاشيها
إلى النساء التي حوليه قد نظرت *** عيناه نظرة مستجل خوافيها
وهنّ أعجبن بالمولود شمن به *** شبلا ببنيته سبحان بانيها
وقلن: فاطم قد جاءت بحيدرة *** يذبّ عن قومه العدوى ويحميها
فراق فاطمة والطفل بين يديها *** قولة سمعتها من جواريها
واستبشرت ثم قالت: والدي أسد *** فباسمه صرت اسميه بخافيها
ثمّ أبو طالب وافى حليلته *** وطفلها وانثنى صفواً يحاليها
وهمّ بالطفل يستجلي ملامحه الزّهر *** فالفى المعالي كونت فيها
وقالت الأمّ: يا بشرى بحيدرة *** بشرى أبا طالب وافيت اسديها
أجابها: بل علّي إنني لأراه *** بالغاً ذروة العليا وراقيها
الله أكبر من تلك الفراسة *** بالمولود والوالد المفضال رائيها
قد حققتها الليالي بالوليد فأمسى *** بين أهل العلى والمجد عاليها
وعام مولده العام الذي بدأت *** بشائر الوحي تأتي من أعاليها
فيه الحجارة والأشجار قد هتفت *** للمصطفى وهو رائيها وصاغيها
وإذ درى المصطفى فيه ولادة *** مولانا العلي غدا بالبشر يطريها
وبات مستبشراً بالطفل قال به *** لنا من النّعم الزهراء ضافيها(12)
أقول: صرّح كثير من علماء السنة بولادة علي بن أبي طالب في الكعبة المعظمة(13) وإن شئت فقارن بين مريم سلام الله عليها حيث أمرت بالخروج من البيت المقدس عند ولادتها عيسى عليه السّلام وبين فاطمة بنت أسد، حيث أذن لها بدخول الكعبة الشريفة عند ولادتها علياً سلام الله عليها.
وهذا أيضاً من جملة فضائل أميرالمؤمنين ومناقبة الموجبة لتقديمه على غيره من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والدالة على قبح تقدم غيره عليه، فيكون هو الإمام والخليفة الحق من بعده مباشرةً.
(1) المستدرك على الصحيحين، ج3، ص483.
(2) المناقب، ص7 الحديث 3.
(3) الفصول المهمّة: 30.
(4) كفاية الطالب: 406.
(5) نظم درر السمطين، ص80.
(6) مطالب السّئول في مناقب آل الرّسول ص 27 مخطوط.
(7) كفاية الطالب ص 37.
(8) وسيلة المال في عد مناقب الآل، ص282 مخطوط.
(9) مفتاح النّجاء ص34.
(10) عليّ وليد الكعبة ص 1ـ3.
(11) الكشكول فيما جرى على آل الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ص 84 وص217.
(12) القصيدة العلويّة المباركة، ص61.
(13) وان شئت التفصيل فراجع (علي وليد الكعبة) تأليف العلاّمة الشيّخ محمّد علي الغروي الأوردوبادي قدّس سرّه.