الباب الرابع: علي (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
1 ـ عليٌ عليه السّلام ربّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
2 ـ عليٌ عليه السّلام أول من آمن.
3 ـ حديث العشيرة.
4 ـ عليٌ عليه السّلام أول من صدّق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
5 ـ عليٌ عليه السّلام أول من صلّى.
6 ـ عليٌ عليه السّلام امتحن الله قلبه.
علي ربّاه النبي
ومن كلام له عليه السّلام: «أنا وضعت في الصغر بكلاكل(1) العرب، وكسرت نواجم(2)قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه(3) وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول ولا خطلة(4) في فعل»(5).
وروى محب الدين الطبري بإسناده عن مجاهد بن جبر: «كان من نعمة الله تعالى على علي بن أبي طالب أن قريشاً أصابتهم شدة، وكان أبو طالب ذا عيال، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله للعبّاس: إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ماترى، فانطلق بنا فلنخفف من عياله، فقال العبّاس: نعم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله علياً فضمه إليه، وأخذ العبّاس جعفراً فضمّه إليه، فلم يزل علي مع النبي حتى بعثه الله عزّوجلّ فتابعه وآمن به وصدقه»(6).
وقال محمّد بن طلحة: «رباه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأزلفه وهداه إلى مكارم الأخلاق وثقّفه»(7).
وروى الخوارزمي عن محمّد بن اسحاق قال: «كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم معه وصدّق ما جاءه من الله علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين يومئذ، وكان مما انعم الله به على علي بن أبي طالب عليه السّلام انّه كان في حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل الإسلام»(8).
وقال البلاذري «قالوا: وكان أبو طالب قد أقل وأقتر، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً ليخفف عنه مؤنته فنشأ عنده»(9).
وقال أحمد زيني دحلان: «وقد تولّى تسمية علي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بنفسه، وغذاه أياماً من ريقه المبارك يمصه لسانه، فعن فاطمة بنت اسد أم علي رضي الله عنها، انها قالت: لما ولدته سماه صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً وبصق في فيه، ثم ألقمه لسانه فما زال يمصه حتى نام، قالت: فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة، فلم يقبل ثدي أحد فدعونا له محمّداً فألقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله تعالى»(10).
أقول: روى تربية علي عليه السّلام في بيت النبوة، اصحاب السير والتاريخ والمحدثون في كتبهم.
وقال عبد الكريم الخطيب: «لم يذكر المؤرخون ـ على وجه التحديد ـ السنة التي ضم فيها إلى جناح النبي، وسكن فيها إلى بيت النبوة، ولكن المقطوع به أن ذلك كان بعد أن تزوج النبي بالسيدة خديجة وانتقل من دار عمه ابي طالب إلى بيت الزوجية الجديد.
فقد كان الرسول ـ قبل أن يتزوج ـ يعيش مع عمه أبي طالب، ومع امرأة عمه فاطمة ومع اولاد عمه من بنين وبنات، وكان يجد في هذه الأسرة رعاية الوالد، وحنان الأم، وانس الأخوة، فأنساه ذلك مرارة اليتم ووحشته وعزلته.
والحق أن عمه أبا طالب وامرأة عمه «فاطمة» كانا له أكثر من أبوين، يؤثرانه على أبنائهما بالمودة والرعاية، ويفيضان عليه من عطفهما وبرهما بما لم يظفر به ابن من أبويه وذلك غير مستغرب ولا مستبعد، من أي انسان يرى «محمّداً» ويتصل به، ويعيش معه فليس بمنكر اذن ما يروى من الأخبار التي تحدث عن تعلق أبي طالب وزوجته بمحمد وإيثارهما اياه على ابنائهما، اذ فضلا عن عاطفة القرابة التي تجمع بين محمّد وعمه وامرأة عمه وفضلا عن ثوب اليتم الذي لبسه محمّد في بطن أمه، وما يثير هذا اليتم من مشاعر الرحمة والحنو، فإن ما اشتمل عليه محمّد من شمائل وما جمله الله به من سجايا، لهو شيء عظيم رائع تتملاه العيون خاشعة وتقف إزاءه العقول مقدرة مفكرة لا تدري لهذا الجلال سراً ولا تعرف لتلك الوضاءة وهذا البهاء تأويلا، الا انّه شيء واقع محسوس، لا شك فيه ولا امتراء، فمحمّد قبل النبوة هو محمّد النبي، في كمال ادبه وعظمة خلقه وسماحة نفسه ولين جانبه وعفة لسانه ويده.
فلا عجب ان يكون «محمّد» في بيت عمه، في هذا المكان المكين الذي كان له من عمه وامرأة عمه وابناء عمه، وقد رأى «محمّد» حين انتقل من بيت عمه إلى البيت الجديد، ان يحمل عن عمه شيئاً من مؤنة عياله فقد كان أبو طالب كثير العيال، قليل المال فجاء محمّد إلى عمه العبّاس يدعوه إلى أن يشاركه في هذا الأمر وان يحمل معه عن أبي طالب مؤنة بعض عياله، وقد اجابه عمه العبّاس إلى هذا، فأقبلا إلى أبي طالب يعرضان عليه ان يأذن لهما في ان يتكفل كل واحد منهما بأحد أبنائه فأجابهما إلى ذلك قائلا: خذا من شئتما ودعا لي عقيلاً، فأخذ كل منهما بيد ولد من اولاد أبي طالب.
وعلى أيّ، فقد اختار الله لعلي وقدر له ان ينال هذا الشرف العظيم، وان يربى في حجر النبوة، وان يشهد مطالع الرسالة الاسلامية من يومها الأول، وان يتلقى من فم النبي مفتتح الرسالة ومختتمها، وما بين مفتتحها ومختتمها مما نزل به الوحي من آيات الله، وهكذا قدر لعلي ان يولد وطيب النبوة يعطر الأجواء من حوله وأنوارها تفيض عليه من كل افق، وتطلع عليه من كل صوب، حتى إذا تحولت مطالع النبوة إلى افقها الجديد في دار الهجرة تحوّل علي معها إلى هذا الأفق، ثم لم يزل يدور في فلكها حتى غربت شمس النبوة، ولحق النبي بجوار ربه(11).
(1) الكلاكل: الصدور عبّر بها عن الاكابر.
(2) النواجم من القرون: الظّاهرة الرّفيعة اي الاشراف.
(3) رائحته الزكّية.
(4) الخطلة واحدة الخطل، وهو الخطأ ينشأ عن عدم الرويّة.
(5) الخطبة 192 ص 300، نهج البلاغة طبعة صبحي الصّالح.
(6) ذخائر العقبى، ص58، ورواه الشبلنجي في نور الابصار، ص89، والخوارزمي في المناقب ص17 الفصل الرابع.
(7) مطالب السّئول في مناقب آل الرّسول ص28 مخطوط.
(8) المناقب، الفصل الرّابع ص17.
(9) انساب الاشراف، ج2، ص90، الحديث 5.
(10) السّيرة النبويّة والآثار المحمدّية، ج1، ص91.
(11) عليّ بن أبي طالب، بقيّة النبوّة وخاتم الخلافة ص81ـ84.