عليٌ و حديث الطّير
روى الترمذي بإسناده عن أنس بن مالك، قال: «كان عند النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم طيرٌ فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطّير، فجاء علي عليه السّلام فأكل معه»(1).
وروى الحاكم النيسابوري باسناده عن ثابت البناني: «إنّ أنس بن مالك كان شاكياً، فأتاه محمّد بن حجّاج يعوده في أصحاب له فجرى الحديث حتّى ذكروا عليّاً رضي الله عنه فتنقصه محمّد بن حجّاج، فقال انس: من هذا؟ أقعدوني فأقعدوه فقال: يا ابن الحجّاج: لا اراك تنقص عليّ بن أبي طالب، والذي بعث محمّداً بالحقّ، لقد كنت خادم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين يديه، وكان كلّ يوم يخدم بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غلام من أبناء الأنصار، فكان ذلك اليوم يومي فجاءت أمّ ايمن مولاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بطير فوضعته بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أمّ أيمن، ما هذا الطّائر؟ قالت: هذا الطائر أصبته فصنعته لك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللهم جئني بأحبّ خلقك إليك واليّ، يأكل معي من هذا الطائر، وضرب الباب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا انس، أنظر من على الباب، قلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار، فذهبت فإذاً علّي عليه السّلام بالباب قلت: انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على حاجة، فجئت حتّى قمت مقامي، فلم ألبث ان ضرب الباب، فقال رسول الله: يا انس، أنظر من على الباب، فقلت: اللّهم اجعله رجلاً من الانصار، فذهبت فإذاً علي عليه السّلام بالباب، قلت: انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على حاجة فجئت حتّى قمتم مقامي، فلم ألبث أن ضرب الباب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أنس اذهب فأدخله، فلست بأوّل رجل احبّ قومه، ليس هو من الانصار، فذهبت فأدخلته، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أنس قرّب اليه الطّير، قال: فوضعته بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأكلا جميعاً، قال محمّد بن الحجّاج: يا أنس كان هذا بمحضر منك؟ قال: نعم، قال: أعطي بالله عهداً أن لا أتنقّص عليّاً بعد مقامي هذا ولا اعلم احداً ينتقص الاّ اشنت له وجهه»(2).
وروى أحمد بأسناده عن سفينة، قال: «اهدت امرأة من الانصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم طيرين بين رغيفين فقدّمت إليه الطيرين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللّهم ايتني بأحبّ خلقك إليك والى رسولك، ويرفع صوته، فقال رسول الله: من هذا؟ فقال: علّي، فقال: فافتح له ففتحت له، فأكل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الطّيرين حتّى فنيا»(3).
وروى ابن عساكر بأسناده عن عبد العزيز بن زياد «انّ الحجّاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة وسأله عن علّي بن أبي طالب، فقال: اهدي للنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم طائر فأمر به فطبخ وصنع، فقال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللّهم ائتني بأحبّ الخلق اليّ يأكل معي، فجاء علي فرددته، ثمّ جاء ثانية فرددته، ثمّ جاء الثالثة فرددته، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا انس، انّي قد دعوت ربّي وقد استجيب لي فانظر من كان بالباب فأدخله، فخرجت فإذا أنا بعلي فأدخلته فقال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: انّي قد دعوت ربّي أن يأتيني بأحبّ خلقه اليّ وقد استجيب لي فما حبسك؟ قال: يا نبّي الله، جئت أربع مرّات كل ذلك يردّني أنس! قال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما حملك على ذلك يا أنس؟ قال: قلت: يا نبّي الله بأبي أنت وأمّي انّه ليس احدٌ الاّ وهو يحبّ قومه. وانّ عليّاً جاء فأحببت أن يصيب دعاؤك رجلا من قومي! قال: وكان النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نبّي الرّحمة فسكت ولم يقل شيئاً»(4).
أقول: حديث الطّير من الأخبار المتواترة، وقد رواه أحمد بن حنبل في المسند والحميدي في الجمع بين الصّحاح السّتة(5) واستدلّ به العلاّمة الحلي على امامة علي بن أبي طالب عليه السّلام، وقال: «أوفي الأنصار أفضل من علي؟ وإذا كان احبّ الخلق إلى الله تعالى وجب أن يكون الإمام»(6).
وممّن استقصى أسانيد (حديث الطّير): السيد هاشم البحراني حيث ذكر من طريق السنّة خمسة وثلاثين حديثاً ومن طريق الشيعة ثمانية احاديث(7)، الاّ ان التعصّب الأعمى دفع ابن تيميّة للقول بأن «حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح ولا صحّحه أئمة الحديث، ولكن هو مما رواه بعض النّاس كما رواه أمثاله في فضل غيره»(8).
أمّا ابن روزبهان، فقال: «حديث الطير مشهور، وهو فضيلة عظيمة ومنقبة جسيمة، ولكن لا يدلّ على النّص وليس الكلام في عدّ الفضائل»(9).
واكتفى عبد العزيز الدّهلوي بتضعيف الحديث من حيث السّند والدلالة، دون أن يقيم دليلا قاطعاً في كلامه(10).
وتصدّى للرد على هذه المزاعم، القاضي نور الله التستري قائلا: «حديث الطّير، مع انّه كما اعترف به الناصب مشهور بالغ حدّ التواتر، وقد رواه خمسة وثلاثون رجلا من الصحابة عن أنس وغيره عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وصنّف اكابر المحدثين فيه كتباً ورسائل»(11).
وأثبت السّيد حامد حسين تواتر هذا الحديث وتماميّة دلالته على امامة أميرالمؤمنين عليه السّلام بأدلّة قاطعة لا تبقي مجالا للترديد والشّك(12).
(1) سنن الترمذي ج5 ص300، ورواه الشنقيطي في كفاية الطالب ص40 والخوارزمي في المناقب الفصل التاسع ص59 والفصل التّاسع ص 65 والبلاذري في انساب الاشراف ج2 ص143 رقم 141.
(2) المستدرك على الصحّيحين ج3 ص131 و132، وروي قريباً من ذلك عن أنس في المستدرك ج3 ص130، والنّسائي في الخصائص ص5 وابن المغازلي في المناقب ص156، الحديث 189، وص161، والحديث191، وص168، الحديث200 والوّصابي في اسني المطالب الباب السّابع ص35 رقم 25.
وقال الخوارزمي في مقتل الحسين ج1 ص46 بعد ذكره الحديث: «اخرج الحافظ ابن مردويه، هذا الحديث بمائة وعشرين اسناداً».
(3) فضائل (مناقب) أميرالمؤمنين علّي بن أبي طالب عليه السّلام ج1 حديث 65 مخطوط.
(4) ترجمة الإمام علّي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص120 الحديث 625، وروى ذلك باسانيد عديدة: الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص145.
(5) كشف الحقّ، باب الاخبار المتواترة عن النّبي على امامته عليه السّلام الحديث الثامن عشر ص105.
(6) منهاج الكرامة، المنهج الثالث في الادّلة المستندة إلى السنّة المنقولة عن النّبي الحديث الثامن ص171.
(7) غاية المرام الباب الحادي عشر ص471 والباب الثاني عشر ص474.
(8) منهاج السنّة ج4 ص99.
(9) متن احقاق الحقّ ص330 الحديث الثامن عشر مخطوط.
(10) تحفة اثنا عشرية الحديث الرّابع ص211.
(11) احقاق الحقّ ص330 مخطوط.
(12) عبقات الأنوار، حديث الطّير.