عليٌ نفسي
روى الخوارزمي باسناده عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لوفد ثقيف حين جاؤه: «لتسلمن أو ليبعثن الله رجلا مني ـ أو قال مثل نفسي ـ فليضربن اعناقكم بالسيف وليسبين ذراريكم وليأخذن أموالكم، قال عمر بن الخطاب: فو الله ما تمنيت الامارة الا يومئذ، جعلت انصب صدري له رجاء أن يقول هو هذا قال: فالتفت إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام فاخذ بيده ثم قال هو هذا، هو هذا»(1).
وباسناده عن عمرو بن شعيب عن جده قال: قالت عائشة: «من خير الناس بعدك يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب، هو نفسي، وأنا نفسه»(2).
وروى أحمد باسناده عن زيد بن يثيع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن اليهم رجلا كنفسي يمضي فيهم أمري يقتل المقاتلة ويسبي الذرية، قال: فقال أبو ذر: فما راعني الاّ برد كف عمر في حجري من خلفي، فقال: من تراه يعني؟ قلت: ما يعنيك ولكن يعني خاصف النعل يعني علياً»(3).
وروى المتقي عن ابن مسعود: «علي بن أبي طالب مني كروحي في جسدي»(4).
وروى محب الدين الطبري باسناده عن انس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ما من نبيّ الا وله نظير في امته وعلي نظيري»(5).
وروى الهيثمي عن عبد الرحمن بن عوف، قال: «لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مكة، انصرف إلى الطائف حاصرها سبع عشرة او تسع عشرة ثم قام خطيباً، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: اوصيكم بعترتي خيراً، وان موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة، أو لأبعثن اليكم رجلا مني أو كنفسي يضرب اعناقكم ثم اخذ بيد علي، فقال: هذا»(6).
اقول: قد بلغ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب من قدسية الذات وعظمة المنزلة أن صار بمنزلة نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد صرح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بانه عليه السّلام نفسه، وروايات الباب من طرق الفريقين كثيرة، أورد بعضها السيد هاشم البحراني في (غاية المرام).
وإذ كانت الروايات في هذا الشأن ثابتة، لم يناقش المأمون العبّاسي في سندها، بل استغلق عليه فهم حدود هذه المنزلة، فراح يسأل الإمام الرضا عليه السّلام عن ذلك، فقد روى الشيخ المفيد رضوان الله عليه: «قال المأمون يوماً للرضا عليه السّلام أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السّلام يدلّ عليها القرآن قال: فقال له الرضا عليه السّلام فضيلته في المباهلة. قال الله جلّ جلاله: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(7) فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الحسن والحسين عليهما السّلام فكانا ابنيه، ودعا فاطمة عليها السّلام فكانت في هذا الموضع نساءه، ودعا أميرالمؤمنين عليه السّلام فكان نفسه بحكم الله عزّوجلّ. وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وافضل، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بحكم الله عزّوجلّ قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع، وانما دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ابنيه خاصة، وذكر النساء بلفظ الجمع، وانما دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ابنته وحدها، فلم لا جاز ان يذكر الدعاء لمن هو نفسه، ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السّلام ما ذكرت من الفضل، قال: فقال له الرضا عليه السّلام: ليس بصحيح ما ذكرت يا أميرالمؤمنين، وذلك ان الداعي انما يكون داعياً لغيره كما يكون الآمر آمراً لغيره ولا يصح ان يكون داعياً لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة. وإذا لم يدع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رجلا في المباهلة الاّ أميرالمؤمنين عليه السّلام، فقد ثبت انه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه وجعل حكمه ذلك في تنزيله. قال: فقال المأمون: اذا ورد الجواب سقط السؤال»(8).
(1) المناقب، الفصل الرّابع عشر ص81، ورواه أحمد في الفضائل المناقب ج1 الحديث 129 مخطوط.
(2) المصدر ص90.
(3) الفضائل ج1 الحديث 88 مخطوط.
(4) كنز العمّال ج11 ص628 طبع حلب، وأروده ايضاً في منتخب الكنز بهامش مسند أحمد ج5 ص73. ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص7.
(5) الرّياض النّضرة ج3 ص153 وذخائر العقبى ص64.
(6) مجمع الزّوائدج9 ص163.
(7) سورة آل عمران: 61.
(8) الفصول المختارة من العيون والمحاسن ص16.