عائشة و كلاب الحوأب
قال المسعودي: «وسار القوم نحو البصرة في ستمائة راكب، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب، عليه ناس من بني كلاب، فعوت كلابهم على الركب، فقالت عائشة: ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملها: الحوأب، فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك، فقالت: ردّوني إلى حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا حاجة لي في المسير، فقال الزبير: بالله ما هذا الحوأب، ولقد غلط فيما أخبرك به، وكان طلحة في ساقة الناس، فلحقها فاقسم ان ذلك ليس بالحوأب، شهد معها خمسون رجلا ممن كان معهم، فكان ذلك أول شهادة زور أقيمت في الإسلام»(1).
وروى الهيثمي باسناده عن قيس بن أبي حازم: «ان عائشة لما نزلت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما اظنني الاّ راجعة، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لنا: أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب؟ فقال لها الزبير: لا ترجعين عسى الله أن يصلح بك بين الناس، رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح»(2).
وروي عن ابن عبّاس قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت»(3).
روى الخوارزمي باسناده عن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: «ان أول شهود شهدوا في الإسلام بالزور وأخذوا عليه الرشا: الشهود الذين شهدوا عند عائشة حين مرت بماء الحوأب، فقالت عائشة: ردوني، مرتين، فأتوها بسبعين شيخاً فشهدوا انّه ليس بماء الحوأب»(4).
وقال ياقوت الحموي: «وفي الحديث: إن عائشة لمّا أرادت المضيّ إلى البصرة في وقعة الجمل، مرّت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب… وحلفوا لها أنه ليس بالحوأب»(5).
وقال ابن الأثير: «قال العرني: بينما أنا أسير على جمل اذ عرض لي راكب فقال: أتبيع جملك؟ قلت: نعم. قال: بكم؟ قلت: بألف درهم. قال: أمجنون أنت؟قلت: ولم؟ والله ما طلبت عليه أحداً الاّ أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد الاّ فتّه.قال: لو تعلم لمن نريده، انما نريده لأم المؤمنين عائشة، فقلت: خذه بغير ثمن. قال: بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم. قال: فرجعت معه فأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة وقالوا لي: يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق؟ قلت: أنا من أدلُّ الناس، قالوا: فسر معنا. فسرت معهم فلا أمر على واد الاّ سألوني عنه حتى طرقنا الحوأب، وهو ماء فنبحتنا كلابه، فقالوا: اي ماء هذا؟ فقلت: هذا ماء الحوأب. فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت: انا لله وانا اليه راجعون، انّي لهيه، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول وعنده نساؤه: «ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب!» ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت: ردّوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب، فأناخوا حولها يوماً وليلة، فقال لها عبد الله بن الزبير: انه كذب، ولم يزل بها وهي تمتنع، فقال لها: النجاء النجاء! قد ادرككم علي بن أبي طالب فارتحلوا نحو البصرة»(6).
وقال البلاذري: «وسمعت عائشة في طريقها نباح كلاب فقالت: ما يقال لهذا الماء الذي نحن به؟ قالوا: الحوأب. فقالت: انا لله وانا اليه راجعون، ردوني، ردوني، فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: وعنده نساؤه: «ايتكن ينبحها كلاب الحوأب»؟ وعزمت على الرجوع فأتاها عبدالله بن الزبير، فقال: كذب من زعم هذا الماء الحوأب، وجاء بخمسين من بني عامر، فشهدوا وحلفوا على صدق عبد الله»(7).
(1) مروج الذهب ج2 ص336.
(2) مجمع الزوائد ج7 ص234.
(3) المصدر ص234.
(4) المناقب ص114.
(5) معجم البلدان ج2 ص314.
(6) الكامل في التاريخ ج3 ص210.
(7) انساب الأشراف ج2 ص224.