دور عائشة في التحريض على علي
قال ابن أبي الحديد: «قال كل من صنف في السير والأخبار: ان عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى انها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله صلّى الله عليه وآله فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين اليها: هذا ثوب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته، قالوا: أول من سمى عثمان نعثلا عائشة، والنعثل: الكثير شعر اللحية والجسد، وكانت تقول: أقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا»(1).
ونقل عن أبي مخنف أنه قال: «وقد روى من طرق مختلفة ان عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة، قالت: أبعده الله! ذلك بما قدمت يداه، وما الله بظلاّم للعبيد»(2).
وقد روى قيس بن أبي حازم ان عائشة «إذا ذكرت عثمان قالت: أبعده الله حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت: لوددت ان هذه وقعت على هذه، ثم أمرت بردّ ركائبها إلى مكة فرددت معها، ورأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها، كأنها تخاطب أحداً: قتلوا ابن عفان مظلوماً»(3).
قال ابن قتيبة: «ولما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر، أقبل عليهم سعيد بن العاص على نجيب له فأشرف على الناس ومعه المغيرة ابن شعبة، فنزل وتوكأ على قوس له سوداء، فأتى عائشة فقال لها: أين تريدين يا أم المؤمنين؟.
قالت: أريد البصرة. قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان! قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك…»(4).
قال ابن أبي الحديد: «قال أبو مخنف: جاءت عائشة إلى ام سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا بنت أبي أمية، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقسم لنا من بيتك، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك، فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة، فقالت عائشة: ان عبدالله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائماً في شهر حرام وقد عزمت على الخروج الى البصرة ومعي الزبير، وطلحة، فأخرجي معنا، لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا، فقالت أم سلمة: انك كنت بالأمس تحرضين على عثمان، وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك الاّ نعثلا، وانك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، أفاذكرك؟ قالت: نعم، قالت اتذكرين يوم أقبل عليه السّلام ونحن معه، حتى إذ هبط من قديد ذات الشمال، خلا بعلي يناجيه فأطال، فأردت أن تهجمي عليهما، فنهيتك فعصيتني، فهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية فقلت: ما شأنك؟ فقالت: اني هجمت عليهما وهما يتناجيان فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله الاّ يوم من تسعة ايام، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي! فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّ، وهو غضبان محمر الوجه، فقال: أرجعي وراءك، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الايمان، فرجعت نادمةً ساقطة! قالت عائشة: نعم أذكر ذلك.
قالت: وأذكّرك ايضاً، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنت تغسلين رأسه، وأنا احيس له حيساً، وكان الحيس يعجبه، فرفع رأسه، وقال: «يا ليت شعري، أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، فتكون ناكبةً عن الصراط» فرفعت يدي من الحيس، فقلت: أعوذ بالله وبرسوله من ذلك، ثم ضرب على ظهرك، وقال: «إيّاك أن تكونيها» ثم قال: «يا بنت أبي امية، اياك أن تكونيها يا حميراء أما أنا فقد أنذرتك» قالت عائشة: نعم، أذكر هذا.
قالت: وأذكرك ايضاً كنت أنا وأنت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في سفر له، وكان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيخصفها، ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها، وقعد في ظل سمرة، وجاء ابوك ومعه عمر، فاستأذنا عليه، فقمنا إلى الحجاب، ودخلا يحادثانه فيما أراد، ثم قالا: يا رسول الله انّا لا ندري قدر ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا، ليكون لنا بعدك مفزعا؟ فقال لهما: أما اني قد أرى مكانه، ولو فعلت لتفرقتم عنه، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران، فسكتا ثم خرجا، فلما خرجنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قلت له وكنت اجرأ عليه منا: من كنت يا رسول الله مستخلفاً عليهم؟ فقال: خاصف النعل، فنظرنا فلم نر أحداً إلاّ علياً، فقلت: يا رسول الله، ما أرى الا علياً، فقال: هو ذاك، فقالت عائشة: نعم، أذكر ذلك، فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت: انما أخرج للاصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر ان شاء الله، فقالت: أنت ورأيك، فانصرفت عائشة عنها، وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى علي عليه السّلام»(5).
وقال: «لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر أبي موسى قريباً من البصرة، أرسل عثمان بن حنيف ـ وهو يومئذ عامل علي عليه السّلام على البصرة ـ إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له علمهم، فجاء حتى دخل على عائشة، فسألها عن مسيرها، فقالت: أطلب بدم عثمان، قال: انه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد، قالت: صدقت، ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة، وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله؛ انغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم! فقال لها: ما أنت من السوط والسيف، انما أنت حبيس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمرك أن تقري في بيتك، وتتلي كتاب ربك، وليس على النساء قتال، ولا لهن الطلب بالدماء، وان علياً لأولى بعثمان منك، وأمس رحما، فانهما ابنا عبد مناف، فقالت: لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت له، افتظن يا أبا الأسود ان احداً يقدم على قتالي! قال: أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد»(6).
وقال: «لما نزل علي عليه السّلام بالبصرة، كتبت عائشة الى زيد بن صوحان العبدي: من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أما بعد فاقم في بيتك، وخذّل الناس عن علي، وليبلغني عنك ما أحب، فانك أوثق أهلي عندي والسّلام.
فكتب اليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر، أما بعد فان الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر، أمرك أن تقري في بيتك، وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله فاكون قد صنعت ما امرك الله به وصنعت ما أمرني الله به، فأمرك عندي غير مطاع، وكتابك غير مجاب، والسلام، روى هذين الكتابين شيخنا أبو عثمان عمرو بن بحر، عن شيخنا أبي سعيد الحسن البصري»(7).
روى ابن عبد البرّ: «ان علياً قال في خطبته حين نهوضه إلى الجمل: ان الله عزّوجل فرض الجهاد وجعله نصرته وناصره، وما صلحت دنيا ولا دين الاّ به، واني بليت بأربعة: أدهى الناس وأسخاهم طلحة، وأشجع الناس الزبير، وأطوع الناس في الناس عائشة، وأسرع الناس إلى فتنة يعلى بن أمية. والله ما أنكروا علي شيئاً منكراً، ولا استأثرت بمال، ولا ملت بهوى، وانهم ليطلبون حقاً تركوه، ودماً سفكوه، ولقد ولوه دوني… وانهم لهم الفئة الباغية بايعوني ونكثوا بيعتي»(8).
قال ابن اعثم: «ان عائشة قالت: ناولوني كفاً من الحصاة، وحصبت بها وجوه اصحاب علي، وصاحت بأعلى صوتها: شاهت الوجوه! كما صنع رسول الله يوم حنين، فناداها رجل من أصحاب علي: وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى»(9).
(1) شرح نهج البلاغة ج6 ص215.
(2) المصدر ج6 ص216.
(3) المصدر ص 216.
(4) الامامة والسياسة ج1 ص58.
(5) شرح نهج البلاغة ج6 ص217.
(6) شرح نهج البلاغة ج6 ص225.
(7) شرح النهج ج6 ص226.
(8) الاستيعاب ـ ترجمة طلحة. رقم 1277.
(9) تاريخ ابن اعثم ص179، شرح نهج البلاغة ج1 ص257 بتصحيح أبو الفضل إبراهيم.