دلالة حديث الراية
أقول: حديث الرّاية ذكره المفسّرون في تفاسيرهم وأئمّة الحديث والحفاظ في مسانيدهم وكتبهم، واورده ارباب السير والمؤرّخون في مصنّفاتهم بألفاظ وعبارات مختلفة.
واستدلّ العلامة الحلي بهذه الرّواية لاثبات امامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام في (منهاج الكرامة)(1) و(كشف الحقّ ونهج الصّدق)(2) واستقصى هذه الرّوايات من طرق الفريقين السيّد هاشم البحراني في (غاية المرام)(3).
وقال صاحب كتاب (الانصاف في الانتصاف لأهل الحق من أهل الاسراف): «كلّ ذلك يقتضي انه محبوب عند الله ورسوله والعمل الخالص له سبحانه، الخالي عن المفسدة، وكون عمله اكمل من عمل غيره، فيكون افضل، فيكون اذاً هو الإمام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولو كان في أهل بيت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أو في اصحابه من هو احبّ إلى الله والى رسوله من علي عليه السّلام واكمل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لجاء وحضر(4) وأخذ الراية من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ومجمل الكلام في دلالة حديث الراية هو: إنّ حديث الراية يوم خيبر من الأحاديث التي يعترف المكابرون أيضاً بصحّته، فينبغي بيان وجه دلالته على الإمامة والولاية العامّة بعد رسول الله، ويتلخّص الكلام في ذلك في جهتين:
الجهة الأولى: إنّ هذا الحديث فيه خصيصة من خصائص أمير المؤمنين عليه السّلام، وقد اعترف بهذه الجهة ابن تيمية في موضع من كتابه المنهاج، لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله لما وصفه بأنه «يحب الله ورسوله…» دلّ ذلك على انتفاء هذا الوصف عن غيره، فهو يدل على أفضليته فيكون هو الامام من بعده.
والجهة الثانية: إن هذا الحديث فيه تنقيصٌ لأبي بكر وعمر، إذ جاء في غير واحدة من الروايات المعتبرة في كتب القوم فرار الشيخين ورجوعهما يجبنان أصحابهما ويجبّنونهما، ولذا جاء التعريض بهما في بعض الألفاظ عن رسول الله حيث وصف الإمام عليه السلام بأنه «ليس بفرار» كما في رواية النسائي في (الخصائص) وبلفظ «لا يولّي الدبر» كما في رواية الحاكم، وبلفظ «كرّار غير فرّار» كما في رواية المتقي عن الخطيب وابن عساكر… ومن كان هذا حاله كيف يصلح للإمامة والولاية على المسلمين؟
هذا، وفي الحديث خصوصياتٌ عديدةٌ أخرى، كلّ واحدة منها تكفي لأن يكون الحديث دليلاً تامّاً على إمامة علي بعد رسول الله مباشرةً، فليراجع المطوّلات.
(1) المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنّة المنقولة عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، الحديث السّابع.
(2) باب الأخبار المتواترة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الدّالة على امامة علي بن أبي طالب عليه السّلام الخبر العاشر ص 103.
(3) الباب التّاسع ص465 والعاشر ص470، كما تصدّى لجمع هذه الاحاديث آية الله السيّد شهاب الدّين المرعشي رحمه الله في تعليقاته على (احقاق الحقّ وازهاق الباطل) في الجزء الرّابع.
(4) ص 52.