دلالة القضية
أقول: قال الراغب في معنى (النجوى): «ناجيته: أي ساررته.. أن تنجو بسرّك من أن يطلع عليك.. وانتجيت فلاناً استخلصته لسرّي».
قوله صلّى الله عليه وآله: «ما انتجيته ولكن الله انتجاه» قال الفيروز آبادي:« وانتجاه: خاصّه بمناجاته»(1).
وقال العلامة الحلي: «روى أحمد بن حنبل في قوله تعالى: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)(2) قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام: ما عمل بهذه الآية غيري. وبي خفف الله تعالى عن هذه الأمة أمر هذه الآية»(3).
وقال ايضاً: «وفي الجمع بين الصحاح الستة، وتفسير الثعلبي، ورواية ابن المغازلي الشافعي آية المناجاة، واختصاص أميرالمؤمنين عليه السّلام بها، تصدق بدينار حال المناجاة ولم يتصدق أحد قبله ولا بعده، ثم قال علي عليه السّلام: ان في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، وهي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) وبي خفف الله عن هذه الأمة فلم تنزل في أحد بعدي»(4).
ووجه الاستدلال بعد ثبوت أصل الموضوع برواية الفريقين في كتب التفسير والحديث والمناقب عن أمير المؤمنين وعن غير واحد من الصحابة كأبي أيوب الأنصاري وجابر وابن عباس وغيرهم كما لا يخفى على من يراجع: المصنف لابن أبي شيبة 2/505 والترمذي 5/379 والنسائي 5/152 والمستدرك 2/524 وجامع الاصول 2/452 وتفاسير الطبري 28/14 والرازي 29/272 والقرطبي 17/196 وابن كثير 4/326 والبغوي 4/283 والآلوسي 28/28 وغيرهم، وبعد العلم بتصحيح غير واحد من الأئمة كابن حبان والحاكم والذهبي، واعتراف ابن تيمية في منهاجه 7/160… هو:
إنّ هذه القضية من خصائص أمير المؤمنين، فتدلّ على الأفضلية، وهي دليل الامامة ومما يشهد بدلالتها على الفضيلة تمنّي مثل ابن عمر لها كما في الكشاف 4/76 وتفسير القرطبي 17/302 وغيرهما… هذا من جهة.
ومن جهة اخرى، فقد دلّ الكتاب والسنّة في هذه القضية على تنقيص لغير مولانا علي عليه السلام من الصحابة، فقد جاء التلويح في الآية والتصريح في الحديث على عدم امتثالهم للأمر الإلهي وبخلهم وشحّهم، ولذا وقع اللّوم عليهم…
فكانت هذه القضية من الأدلّة القويمة على إمامة أمير المؤمنين وعدم أهليّة غيره لذلك، هذا، ولا يُجدي دفاع المتكلّمين عن أبي بكر لتصحيح تولّيه الأمر بعد رسول الله.
(1) القاموس المحيط كلمة نجا ص885 مخطوط.
(2) سورة المجادلة: 12.
(3) منهاج الكرامة، الوجه السادس ص50 مخطوط.
(4) كشف الحق ونهج الصدق ص102.