دلالة الحديث
وحاصل الكلام في وجه الاستدلال بهذه الأحاديث والأحاديث المتقدمة هو: إنّ كلّ آية أو حديث صحيح دلَّ على وجوب إطاعة شخص وحرمة معصيته بصورة مطلقة، فهو لا محالة دليل على عصمة ذلك الشخص، فمثلا: قوله تعالى (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) يدل على عصمة أولي الأمر وإلاّ لم يأمر باطاعتهم اطاعة مطلقةً. وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكّتم بهمالن تضلّوا…» دليلٌ قطعي على عصمة عترته وأهل بيته وإلاّ لم يقرنهم بالقرآن ولم يأمر بالتمسّك بهم في جميع الاُمور، بحيث كانت الهداية والضلالة يدوران مدار اتباع الكتاب والعترة واطاعتهما في كلّ الأحوال، ومن هنا اعترف مثل الفخر الرازي بدلالة تلك الآية على العصمة، واعترف غير واحد من العلماء بدلالة حديث الثقلين على عصمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
وهذه الاحاديث كذلك، لأنَّ من وجبت طاعته على الإطلاق وحرمت مفارقته ومخالفته كذلك لا يقع منه الخطأ فضلا عن المعصية، وإلاّ وجب اتباعه في معصيته وخطئه وهو غير جائز، وأيضاً: فإنّ هذه الأحاديث تدل على اتّحاد طاعة أميرالمؤمنين مع طاعة النبّي، وطاعة النبي واجبة لكونه معصوماً، فلابد وأن يكون علي معصوماً كذلك، وإلاّ لم يجز وحدة الطاعتين.
فكانت هذه الأحاديث الواردة في إطاعة علي وحرمة مفارقته ومخالفته ومعصيته في جميع الأحوال دليلا على امامة علي بعد رسول الله، من جهة المساواة بينه وبين النبي في وجوب الطاعة وحرمة المخالفة والمفارقة معه والبغض له، ومن جهة الدلالة على العصمة، ومن جهة الدلالة على الأفضلية.
كلّ هذا.. مع عدم ورود شيء من هذا القبيل في حقّ أحد غيره من الأصحاب بالاتفاق…
Menu