خروج علي إلى النخيلة:
قال نصر بن مزاحم: «وأمر علي الحارث الأعور ينادي في الناس: أن أخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة فنادى: أيها الناس، اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة، وبعث علي إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب شرطته، فأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر ودعا عقبة بن عمرو الانصاري فاستخلفه على الكوفة، وكان اصغر أصحاب العقبة السبعين، ثم خرج علي وخرج الناس معه»(1).
وقال: «فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان مكان علي بالنخيلة ومعسكره بها ومعاوية بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان وهو مخضب بالدم، وحول المنبر سبعون الف شيخ يبكون حوله لا تجف دموعهم على عثمان خطب معاوية أهل الشام فقال:
يا أهل الشام، قد كنتم تكذبوني في علي، وقد استبان لكم أمره، والله ما قتل خليفتكم غيره، وهو أمر بقتله، وألب الناس عليه، وآوى قتلته، وهم جنده وأنصاره وأعوانه، وقد خرج بهم قاصداً بلادكم ودياركم لا بادتكم، يا أهل الشام، الله في عثمان فأنا ولي عثمان وأحق من طلب بدمه وقد جعل الله لو لي المظلوم سلطاناً، فانصروا خليفتكم المظلوم، فقد صنع به القوم ما تعلمون، قتلوه ظلماً وبغياً، وقد أمر الله بقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله ثم نزل، فأعطوه الطاعة، وانقادوا له وجمع اليه أطرافه»(2).
وروى بسنده عن عبد الرحمن بن أبي الكنود، قال: «لما أراد علي الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء فقال:
الحمد لله غير مفقود النعم ولا مكافأ الافضال، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ونحن على ذلكم من الشاهدين وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، اما بعد ذلكم فاني قد بعثت مقدماتي، وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري، فقد أردت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين باكناف دجلة فأنهضهم معكم إلى أعداء الله ان شاء الله، وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الانصاري ولم آلكم ولا نفسي فاياكم والتخلف والتربص، فاني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته الا يترك متخلفاً إلاّ ألحقه بكم عاجلا ان شاء الله.
فقام اليه معقل بن قيس الرياحي فقال: يا أميرالمؤمنين، والله لا يتخلف عنك الاظنين، ولا يتربص بك إلاّ منافق، فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين قال علي: قد أمرته بأمري وليس مقصراً في أمري ان شاء الله، وأراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته، فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال: «بسم الله» فلما جلس على ظهرها قال: (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ)ثم قال: اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحيرة بعد اليقين وسوء المنظر في الأهل والمال والولد. اللّهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد. اللّهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك، لأن المستخلف لا يكون مستصحباً، والمستصحب لا يكون مستخلفاً.
ثم خرج وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي وهو يقول:
يا فرسي سيري وأمي الشاما *** وقطعي الحزون والاعلاما
ونابذي من خالف الإماما *** اني لأرجو ان لقينا العاما
جمع بني أمية الطغاما *** أن نقتل العاصي والهماما
وأن نزيل من رجال هاما
قال: وقال مالك بن حبيب ـ وهو على شرطة علي ـ وهو آخذ بعنان دابته عليه السّلام: يا أميرالمؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال؟ فقال له علي: انهم لن يصيبوا من الأجر شيئاً الا كنت شريكهم فيه. وأنت ها هنا أعظم غناء منك عنهم لو كنت معهم. فقال سمعا وطاعة يا أميرالمؤمنين. فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة صلّى ركعتين»(3).
(1) وقعة صفين ص121.
(2) وقعة صفين ص127.
(3) وقعة صفين ص131.