حياة أبي سفيان
قال الدكتور نوري جعفر: «… ولما انتقل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة استجمع الأمويون قواهم وألبوا مشركي قريش وحلفائهم اليهود على مقاومة الدين الجديد في شخص رسوله الكريم، وكان قائدهم عتبة بن ربيعة أبو هند أم معاوية، وصهره أبو سفيان، وابن عمه الحكم بن أبي العاص، فنشبت بدر وقتل من الأمويين عتبة وابنه شيبة وعقبة بن أبي معيط، واسر منهم أبو العاص بن الربيع، وعمرو بن أبي سفيان، ونجا معاوية من القتل والأسر فهرب من المعركة… كان أبو سفيان شيخ المؤلبين على حرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد بدر، فعل ذلك اثناء جمعه جموعهم واثناء تأليبه اياهم وفي اخراجه النساء معهم إلى أحد، وقد مروا بالأبواء في طريقهم إلى أحد فاقترح عليهم أبو سفيان أن ينبشوا قبر آمنة بنت وهب ام الرسول (وكانت قد توفيت هناك وهي راجعة بالرسول، وعمره صلّى الله عليه وآله وسلّم سنتان إلى مكة بعد زيارتها لإخوانها من بني عدي بن النجار). وقال أبو سفيان لهم: فان يصب محمّد من نسائكم احداً قلتم هذه رمة اُمّك، فان كان باراً كما يزعم فلعمري ليفادينكّم برمة أمه، وان لم يظفر باحدى نسائكم فلعمري فليفدين أمه بمال كثير، فاستشار أبو سفيان أهل الرأي من قريش من ذلك فقالوا: لا تذكر من هذا شيئاً»(1).
وعندما اشتبك المسلمون مع المشركين في أحد، صاح الشيطان: «ان محمّداً قد قتل» فقال أبو سفيان بن حرب: يا معشر قريش، أيكم قتل محمّداً؟ قال ابن قميئة: أنا قتلته، قال: نسورك(2) كما تفعل الأعاجم بأبطالها، وجعل أبو سفيان يطوف بأبي عامر الفاسق في المعركة هل يرى محمّداً بين القتلى… قال أبو سفيان: ما نرى مصرع محمّد ولو كان قتله لرأيناه، كذب ابن قميئة(3) وقتل أبو سفيان من خيار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سبعين ما بين مهاجري، وانصار، منهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب بن هاشم(4).
ولما عزم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على فتح مكة، ولجأ أبو سفيان إلى العبّاس عم النبي مضطراً والتمسه ان يأخذه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والعبّاس أردفه على بغلة رسول الله واتى به إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد ما مكث أبو سفيان عشرين سنة عدواً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يهجو المسلمين ويهجونه(5)ويعاديه عداوة لم يعادها احدٌ قط. قال العبّاس لأبي سفيان: ويحك اسلم واشهد أن لا إله إلاَّ الله وان محمّداً رسول الله، وان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين عرض الاسلام على أبي سفيان قال له: كيف اصنع بالعزّى؟ فسمعه عمر من وراء القبة فقال له: تخرأ عليها، فقال له أبو سفيان: ويحك يا عمر، انك رجل فاحش(6) فأسلم في الظاهر، ولم يؤمن بقلبه، وذلك لما رواه المقريزي باسناده ان أبا سفيان دخل على عثمان، حين صارت الخلافة إليه، فقال: قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة واجعل اوتادها بني امية فانما هو الملك ولما أدري ما جنة ولا نار(7) أو قال: أهل في الدار أحد غير بني أمية؟ وكان أعمى. فقيل له: لا، فقال: تلقفوها يا بني امية تلقف الصبيان للكرة، فو الله ما من جنة ولا نار ولا حساب ولا عقاب(8).
(1) الصراع بين الأمويين ومبادىء الاسلام ص23، والعروبة في دار البوار ص113.
(2) سوره: ألبسه السّوار.
(3) المغازي للواقدي ج1 ص236.
(4) النّزاع والتخاصم للمقريزي ص17.
(5) راجع المغازي للواقدي ج2 ص807.
(6) السّيرة الحلبية ج3 ص18 والصّراع بين الامويين ومبادىء الاسلام ص27.
(7) النّزاع والتّخاصم ص 20، والنّصائح الكافية ص85.
(8) العروبة في دار البوار 112.