تلاحم الجيشين و استيلاء أصحاب معاوية على الماء
قال نصر بن مزاحم: «استعمل علي عليه السّلام، على مقدمته الأشتر ابن الحارث النخعي، وسار علي في خمسين ومائة ألف من أهل العراق وقد خنست طائفة من أصحاب علي. وسار معاوية في نحو من ذلك من أهل الشام واستعمل معاوية على مقدمته سفيان بن عمرو: أبا الأعور السلمي، فلما بلغ معاوية أن علياً يتجهز أمر اصحابه بالتهيوء فلما استتب لعلي امره سار باصحابه، فلما بلغ معاوية مسيره إليه سار بقضه وقضيضه نحو علي عليه السّلام واستعمل على مقدمته سفيان بن عمرو، وعلى ساقته ابن أرطاة العامري ـ يعني بسراً ـ فساروا حتى توافوا جميعاً بقناصرين الى جنب صفين، فأتى الأشتر صاحب مقدمة معاوية وقد سبقه إلى المعسكر على الماء وكان الأشتر في أربعة آلاف من متبصري أهل العراق، فأزالوا أبا الأعور عن معسكره، واقبل معاوية في جميع الفيلق بقضه وقضيضه، فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي عليه السّلام وغلب معاوية على الماء وحال بين أهل العراق وبينه واقبل علي عليه السّلام حتى إذا أراد المعسكر إذا القوم قد حالوا بينه وبين الماء»(1).
وروى بسنده عن عبدالله بن عوف بن الأحمر قال: «لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستوياً بساطاً واسعاً، وأخذوا الشريعة فهي في ايديهم وقد صف أبو الاعور عليها الخيل والرجالة وقدم المرامية ومعهم اصحاب الرماح والدرق وعلى رؤوسهم البيض، وقد أجمعوا أن يمنعونا الماء، ففزعنا إلى أميرالمؤمنين فاخبرناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان فقال: ائت معاوية فقل: إنا سرنا مسيرنا هذا، وأنا اكره قتالكم قبل الاعذار اليكم وانك قد قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل ان نقاتلك، وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك وهذه أخرى قد فعلتموها، حتى حلتم بين الناس وبين الماء، فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له وقدمتم. وان كان أحب اليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ قال الوليد بن عقبة: امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان، حصروه أربعين يوماً يمنعونه برد الماء ولين الطعام، اقتلهم عطشا قتلهم الله. قال عمرو: خل بين القوم وبين الماء فانهم لن يعطشوا وانت ريان، ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم. فأعاد الوليد مقالته. وقال عبد الله بن أبي سرح ـ وهو أخو عثمان من الرضاعة ـ: امنعهم الماء الى الليل فانهم ان لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمتهم امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة. فقال صعصعة بن صوحان: انما يمنعه الله يوم القيامة الكفرة الفجرة شربة الخمر، ضربك وضرب هذا الفاسق ـ يعني الوليد بن عقبة ـ فتواثبوا اليه يشتمونه ويتهدّدونه، فقال معاوية: كفوا عن الرجل فانه رسول»(2).
وقال نصر: «وذكروا انه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة فقال معاوية: يا أهل الشام هذا والله أول الظفر، لا سقاني الله ولا سقى أبا سفيان ان شربوا منه أبداً حتى يقتلوا بأجمعهم عليه، وتباشر أهل الشام»(3).
(1) وقعة صفين ص156.
(2) وقعة صفين ص160ـ163.
(3) وقعة صفين ص160ـ163.