القتال على الماء:
ومن خطبة لأميرالمؤمنين عليه السّلام: «لما غلب اصحاب معاوية أصحابه عليه السّلام على الشريعة: قد استطعموكم القتال، فأقروا على مذلة وتأخير محلة أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين، ألا وان معاوية قاد لمة من الغواة وعمس عليهم الخير، حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية»(1).
قال نصر بن مزاحم: «فلما سمع الاشعث… أتى علياً من ليلته، فقال: يا أميرالمؤمنين، أيمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ومعنا السيوف؟ خل عنا وعن القوم فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت ومر الاشتر فليعل بخيله فيقف حيث تأمره فقال: ذلك اليكم فرجع الاشعث فنادى في الناس: من كان يريد الماء أو الموت فميعاده الصبح فاني ناهض إلى الماء، فأتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجل، وشد عليه سلاحه وهو يقول:
ميعادنا اليوم بياض الصبح *** هل يصلح الزاد بغير ملح
لا لا ولا أمر بغير نصح *** دبوا الى القوم بطعن سمح
مثل العزالى بطعان نفح *** لا صلح للقوم واين صلح
حسبي من الاقحام قاب رمح
فلما اصبح دبّ في الناس وسيوفهم على عواتقهم، وجعل يلقي رمحه ويقول: بأبي أنتم وأمي تقدموا قاب رمحي هذا فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم وحسر عن رأسه ونادى: أنا الأشعث بن قيس، خلوا عن الماء، فنادى أبو الأعور السلمي: أما والله لا حتى تأخذنا واياكم السيوف، فقال: قد والله أظنها دنت منا وكان الاشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي عليه السّلام فبعث اليه الأشعث أن اقحم الخيل، فأقحمها حتى وضع سنابكها في الفرات، وأخذت القوم السيوف فولوا مدبرين»(2).
وروى بسنده عن زيد بن حسين قال: «نادى الأشعث عمرو بن العاص، قال: ويحك يا ابن العاص خلّ بيننا وبين الماء، فوالله لئن لم تفعل ليأخذنا وايّاكم السيوف، فقال عمرو: والله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف واياكم، فيعلم ربنا أينا اليوم أصبر. فترجل الاشعث والاشتر وذوو البصائر من اصحاب علي وترجل معهما اثنا عشر ألفاً، فحملوا على عمرو ومن معه من أهل الشام، فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي سنابكها في الماء»(3).
(1) نهج البلاغة ص88.
(2) وقعة صفين ص166.
(3) وقعة صفين ص167.