أمّ علي بن أبي طالب:
قال الشنقيطي: «أمّا أمه كرم الله وجهه فهي (فاطمة) بنت أسد بن هاشم ابن عبد مناف، يجتمع نسبها بنسب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد نسب ولدها علي في هاشم الجد الثاني، وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً، وقال الزبير بن بكار: «هي أول هاشمية ولدت خليفة ثم بعدها فاطمة الزهراء رضي الله عنهما، وقد قيل: انها توفيت قبل الهجرة وليس بشيء، والصواب انها هاجرت إلى المدينة وبها ماتت كما قاله الحافظان ابن عبد البر وابن حجر العسقلاني.
فقد أسند ابن عبد البر عن ابن عبّاس قال: «لما ماتت فاطمة ام علي بن أبي طالب، البسها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قميصه واضطجع معها في قبرها فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه فقال: انه لم يكن احد بعد أبي طالب أبرّ بي منها، انما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنّة، واضطجعت معها ليهون عليها.
وقال الحافظ ابن حجر في الاصابة: والصحيح انّها هاجرت وماتت بالمدينة وبه جزم الشعبي قال: أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة. وأخرج ابن ابي عاصم من طريق عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كفن فاطمة بنت اسد في قميصه وقال: لم يكن بعد أبي طالب أبرّ بي منها، انتهى المراد منه.
وقد كان علي رضي الله عنه أصغر اولادها من أبي طالب، فكان اصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر اصغر من عقيل بعشر سنين ايضاً، وكان عقيل اصغر من طالب بعشر سنين ايضاً، وهم أشقاء كلهم ابوهم أبو طالب وامهّم فاطمة بنت اسد رضي الله عنها، كما صرّح به ابن عبد البرّ في الاستيعاب وغيره، وكذلك شقيقتهم أمّ هاني واسمها فاختة وجمانة كما في الرياض النضرة للمحب الطبري، وروى الطبراني في الكبير والأوسط وابن حبان والحاكم وصححوه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دخل قبرها وألحدها وقال: «اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فانك ارحم الراحمين، وفي رواية: «اللهم اغفر لأمي بعد امي فاطمة بنت أسد ووسّع عليها مدخلها»(1).
وروى الخوارزمي باسناده عن أنس بن مالك، قال: «لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ علي بن أبي طالب، دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فجلس عند رأسها وقال: «رحمك الله يا أمّ كنت أمّي بعد أمّي تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله الكريم عزّوجلّ والدّار الآخرة» ثم أمر أن تغسل ثلاثاً، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيده الشريفة، ثم خلع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قميصه فألبسها اياه وكفّنت فوقه، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أسامة بن زيد وابا ايوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود فحفروا قبرها، فلما بلغوا لحدها حفره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيده واخرج ترابه بيده الشريفة، فلما فرغ دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فاضطجع فيه ثم قال: «يا الله الذي يحيى ويميت وهو حىّ دائم لا يموت اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجّتها وأوسع عليها في مدخلها بحقّ محمّد نبيك والأنبياء الذّين من قبلي فانك ارحم الراحمين» وكبّر عليها أربعا وأدخلها اللحّد هو والعبّاس وأبو بكر الصديق»(2).
وروى الشنقيطي باسناده عن أنس، «انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ما عوفي أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد، فقيل: يا رسول الله ولا القاسم ابنك؟ قال: ولا إبراهيم، وكان اصغرهما»(3).
وروى سبط ابن الجوزي عن ابن عبّاس: «وفيها نزلت (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)(4) الآية. قال: وهي أوّل امرأة هاجرت من مكة إلى المدينة ماشية حافية وهي اول امرأة بايعت محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكة بعد خديجة، قال الزهري: سَمِعَت رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: يحشر الناس يوم القيامة عراة فقالت: واسوأتاه. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فاني اسأل الله أن يبعثك كاسية، قال: وسمعته يقول أو يذكر عذاب القبر، فقالت: واضعفاه، فقال: اني اسأل الله ان يكفيك ذلك»(5).
وروى الحاكم النيسابوري عن الزبير بن سعيد القرشي، قال: «كنّا جلوساً عند سعيد بن المسيب، فمر بنا عليّ بن الحسين عليه السّلام ولم أر هاشمياً قطّ كان أعبد لله منه، فقام إليه سعيد بن المسيب وقمنا معه فسلّمنا عليه فرد علينا فقال له سعيد: يا أبا محمّد، أخبرنا عن فاطمة بنت اسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قال: نعم حدّثني أبي، قال: سمعت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب يقول: «لما ماتت فاطمة بنت اسد بن هاشم كفنها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في قميصه وصلّى عليها وكبر عليها سبعين تكبيرة ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ويسوي عليها، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، وحثا في قبرها، فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على احد! فقال: يا عمر، إن هذه المرأة كانت أمي بعد امّي التي ولدتني، ان ابا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة وكان يجمعنا على طعامه، فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبنا فأعود فيه، وان جبرئيل عليه السّلام اخبرني عن ربي عزّوجلّ انها من أهل الجنة، وأخبرني جبرئيل عليه السّلام ان الله تعالى أمر سبعين ألفاًمن الملائكة يصلّون عليها»(6).
أقول: روى إسلام فاطمة بنت أسد سلام الله عليها، وهجرتها إلى المدينة المنورة، وحنانها لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ووفاتها، وما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في فضلها، كثيرٌ من الحفاظ والمؤلفين في كتبهم: كابن عساكر وابن الأثير وابن عبد البر وابن حجر ومحبّ الدين الطبري ومحمّد بن طلحة والشبلنجي والسيوطي وابن المغازلي وابن الصباغ المالكي وابن الجوزي والبلاذري وابن كثير والهيثمي والوصابي والسيد شهاب الدين أحمد ومحمّد صدر العالم ومير علي وعمر رضا كحالة وبنت فواز وعبد الكريم الخطيب(7).
(1) كفاية الطّالب لمناقب علي بن أبي طالب، ص22.
(2) المناقب ص، ص13.
(3) كفاية الطّالب، ص23.
(4) سورة الممتحنة: 12.
(5) تذكرة الخواص، ص10.
(6) المستدرك على الصحّيحين، ج3، ص108.
(7) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب، ج1، رقم13، ص15. أسد الغابة، ج5، ص517. الاستيعاب، ج3، ص1891. الاصابة، ج4، ص380. ذخائر العقبى، ص55 والرّياض النّضرة ،ج3، ص133. مطالب السّئول في مناقب آل الرّسول، ص29. نور الابصار ،ص89. تاريخ الخلفاء، ص166. مناقب عليّ بن أبي طالب، ص6. الفصول المهمّة، ص31. صفة الصفوة، ج2، ص54، رقم 135. انساب الاشراف، ج2، ص35. البداية والنّهاية ،ج7، ص332. مجمع الزّوائد، ج9، ص100. أسنى المطالب ص3. توضيح الدّلائل في تصحيح الفضائل القسم الثّاني، ص245. معارج العلى في مناقب ذوي القربى، ص4. خلفاء محمّد ، ص177. اعلام النّساء، ج4، ص33، الدرّ المنثور في طبقات ربّات الخدور /358، علي بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة /95.