السابع: وذكروا موقف أمير المؤمنين عليه السلام من نفي أبي ذر إلى الربذة، قال البلاذري: «وشيّع علي أباذر، فأراد مروان منعه منه، فضرب علي بسوطه بين اُذني راحلته…».
وقال المسعودي: «فلمّا طلع عن المدينة ومروان يسيّره عنها، إذ طلع عليه علي بن أبي طالب ومعه ابناه وعقيل أخوه وعبد اللّه بن جعفر وعمار بن ياسر، فاعترض مروان فقال: يا علي، إن أمير المؤمنين قد نهى الناس أن يصحبوا أباذر في مسيره وشيّعوه، فإن كنت لم تدر بذلك فقد أعلمتك، فحمل عليه علي بن أبي طالب بالسوط وضرب بين أذني راحلته وقال: تنحّ نحّاك اللّه إلى النار. ومضى مع أبي ذر فشيّعه ثم ودّعه وانصرف.
فلمّا أراد الإنصراف بكى أبوذر وقال: رحمكم اللّه أهل البيت، إذا رأيتك يا أبا الحسن وولدك ذكرت بكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله. فشكا مروان إلى عثمان ما فعل به علي بن أبي طالب، فقال عثمان: يا معشر المسلمين من يعذرني من عليّ؟ ردّ رسولي عمّا وجّهته له وفعل كذا، واللّه لنعطينّه حقه، فلما رجع علي استقبله الناس فقالوا: إن أمير المؤمنين عليك غضبان لتشييعك أباذر. فقال علي: «غضب الخيل على اللّجم». ثم جاء. فلمّا كان بالعشي جاء إلى عثمان فقال له: ما حملك على ما صنعت بمروان واجترأت علي ورددت رسولي وأمري؟ قال: أما مروان فإنه استقبلني يردّني فرددته عن ردّي؟ وأما أمرك فلم أرده. قال عثمان: أوَلم يبلغك أني قد نهيت الناس عن أبي ذر وعن تشييعه؟ فقال علي: أوكلّ ما أمرتنا به من شيء نرى طاعة للّه والحق في خلافه، اتبعنا فيه أمرك؟ باللّه لا نفعل. قال عثمان: أقد مروان. قال: وما أقيده؟ قال: ضربت بين أذني راحلته، قال علي: أما راحلتي فهي تلك. فإن أراد أنْ يضربها كما ضربت راحلته فليفعل، وأما أنا فواللّه لئن شتمني لأشتمنك أنت مثلها بما لا أكذب فيه ولا أقول إلا حقاً. قال عثمان: ولم لا يشتمك إذا شتمته، فواللّه ما أنت عندي بأفضل منه. فغضب علي بن أبي طالب وقال: «إليّ تقول هذا القول؟ وبمروان تعدلني؟ فأنا واللّه أفضل منك، وأبي أفضل من أبيك، وأمي أفضل من أمك، وهذه نبلي قد نثلتها وهلم فأقبل بنبلك. فغضب عثمان واحمرّ وجهه فقام ودخل داره وانصرف علي، فاجتمع إليه أهل بيته ورجال من المهاجرين والأنصار، فلما كان من الغد واجتمع الناس إلى عثمان، شكا إليهم علياً وقال: إنه يعيبني ويظاهر من يعيبني، يريد بذلك أباذر وعمار بن ياسر وغيرهما. فدخل الناس بينهما وقال له علي: واللّه ما أردت تشييع أبي ذر إلا اللّه»(1).
وقال اليعقوبي: «فخرج علي والحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر وعمار بن ياسر ينظرون، فلما رأى أبوذر عليّاً قام إليه فقبّل يده ثم بكى وقال: إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول اللّه، فلم أصبر حتى أبكي. فذهب علي يكلّمه، فقال مروان: إن أمير المؤمنين قد نهى أن يكلّمه أحد. فرفع علي السوط فضرب وجه ناقة مروان وقال: تنحّ نحّاك اللّه إلى النار.
ثم شيَّعه وكلّمه بكلام يطول شرحه. وتكلّم كلّ رجل من القوم وانصرفوا، وانصرف مروان إلى عثمان، فجرى بينه وبين علي في هذا بعض الوحشة وتلاحيا كلاماً»(2).
(1) مروج الذهب 2 / 631 ـ 632.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 172.