5 ـ رواية الواحدي:
وبما ذكرنا تظهر صحّة إسناد الواحدي في أسباب النزول، وذلك لأنّه السند المتقدّم نفسه، وشيخه «أبو سعيد محمّد بن عليّ الصفار» الراوي عن «الحسن بن أحمد المخلّدي» إلى آخر السند، ترجم له الحافظ أبو الحسن عبد الغافر الفارسي، المتوفّى سنة 529، قال:
«محمّد بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن حبيب الصفّار، أبو سعيد، المعروف بالخشّاب، ابن أُخت أبي سهل الخشّاب اللحياني، شيخ مشهور بالحديث، من خواصّ خدم أبي عبد الرحمن السلمي، وكان صاحب كتب، أوصى له الشيخ بعد وفاته وصار بعده بندار كتب الحديث بنيسابور، وأكثر أقرانه سماعاً وأُصولا، وقد رزق الإسناد العالي، وكتبة الأُصول، وجمع الأبواب، وإفادة الصبيان، والرواية إلى آخر عمره، وبيته بيت الصلاح والحديث.
ولد سنة 381، وتوفّي في ذي القعدة سنة 456…»(1).
وذكر الذهبي وابن العماد في وفيات سنة 456 من العبر وشذرات الذهب.
* ترجمة عطيّة:
وأمّا «عطيّة العوفي» فقد ترجمنا له بالتفصيل في بعض بحوثنا(2)، وذكرنا:
أنّه من مشاهير التابعين، وقد قال الحاكم النيسابوري ـ في كلام له حول التابعين ـ : «فخير الناس قرناً بعد الصحابة من شافه أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وحفظ عنهم الدين والسنن، وهم قد شهدوا الوحي والتنزيل»(3).
وأنّه من رجال البخاري في كتابه الأدب المفرد.
وأنّه من رجال صحيح أبي داود، الذي قال أبو داود: «ما ذكرت فيه حديثاً أجمع الناس على تركه» وقال الخطّابي: «لم يصنّف في علم الدين مثله، وهو أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من الصحيحين»(4).
وأنّه من رجال صحيح الترمذي، الذي حكوا عن الترمذي قوله فيه: «صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به. ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنّما في بيته نبيّ يتكلّم».
وأنّه من رجال صحيح ابن ماجة، الذي قال أبو زرعة ـ بعد أن نظر فيه ـ : «لعلّه لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً ممّا في إسناده ضعف»(5).
وأنّه من رجال مسند أحمد، وقد قال الحافظ السيوطي عن بعض العلماء: «إنّ أحمد شَرَطَ في مسنده الصحيح»(6).
وأنّه قد وثّقه ابن سعد، وقال الدوري عن يحيى بن معين: صالح، وقال أبو بكر البزّار: يعدّ في التشيّع، روى عنه جلّه الناس.
وبعد، فمن الذي تكلّم في عطية؟!
تكلّم فيه الجوزجاني، الذي نصّ الحافظ ابن حجر العسقلاني على أنّه: «كان ناصبيّاً منحرفاً عن عليّ»… وتبعه من كان على شاكلته، وقد نصّ الحافظ ابن حجر على أنّه لا ينبغي أن يسمع قول المبتدع(7).
ولماذا تكلّم فيه من تكلّم؟!
لأنّه كان يقدّم أميرالمؤمنين عليه السلام على الكلّ، وأنّه عُرض على سب أميرالمؤمنين عليه السّلام، فأبى أن يسبّ، فضُرب أربعمائة سوط وحُلقت لحيته… وكلّ ذلك بأمر من الحجّاج بن يوسف، لعنه اللّه ولعن من سلك سبيله وأدخله مدخله… .
(1) تاريخ نيسابور: 54 رقم 103.
(2) راجع كتابنا: مع الدكتور السالوس في آية التطهير: 65 ـ 82.
(3) معرفة علوم الحديث: 41.
(4) المرقاة في شرح المشكاة 1 / 22.
(5) تذكرة الحفّاظ 2 / 189.
(6) تدريب الراوي 1 / 171 ـ 172.
(7) مقدّمة فتح الباري: 387.