4 ـ مجيء الآية بصيغة الجمع، وحملها على الواحد مجاز
ذكره القاضي عبدالجبار وتبعه غيره كالرازي وأضاف: إنّه تعالى ذكر المؤمنين الموصوفين في هذه الآية بصيغة الجمع في سبعة مواضع: (وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وحمل ألفاظ الجمع وإن جاز على الواحد على سبيل التعظيم لكنّه مجاز لا حقيقة، والأصل حمل الكلام على الحقيقة.
والجواب: إنّ مقتضى النصّ الصحيح، القائم عليه الإجماع من المفسّرين وغيرهم، وهو المتّفق عليه بين الطرفين، هو حمل الصّيغة هذه على الواحد المعيّن، وهو أمير المؤمنين عليه السلام، ولكنْ لابدّ لإتيان الآية بصيغة الجمع من نكتة.
قال الزمخشري: «فإنْ قلت: كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي اللّه عنه ـ واللفظ لفظ جماعة؟
قلت: جيء به على لفظ الجمع وإنْ كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله، فينالوا مثل نواله، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أنْ تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء، حتّى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها»(1).
واختار بعض المفسّرين من أصحابنا كالطبرسي صاحب (مجمع البيان في تفسير القرآن)(2) أنّ النكتة هي التعظيم، وهو ما أشار إليه الرازي في كلامه المذكور.
والسيّد شرف الدين العاملي ذهب إلى أنّ النكتة هي أنّه لو جاءت الآية بلفظ المفرد، فإنّ شانئي علي وأهل البيت وسائر المنافقين لا يطيقون أن يسمعوها كذلك، وإذْ لا يمكنهم حينئذ التمويه والتضليل، فيؤدّي ذلك إلى التلاعب بألفاظ القرآن وتحريف كلماته أو نحو ذلك ممّا يخشى عواقبه على الإسلام(3).
هذا، وقد ذكر صاحب الغدير طاب ثراه طائفةً من الآيات الواردة بصيغة الجمع والمقصود بها الآحاد، استناداً إلى تفاسير القوم وأحاديثهم، فراجع(4).
(1) الكشاف 1 / 649.
(2) مجمع البيان 3 / 211.
(3) المراجعات: 263.
(4) الغدير 6 / 231 ـ 238.