1 ـ لا إجماع على نزول الآية في علي و تصدّقه
إدّعاه القاضي المعتزلي وتبعه جمع من الأشاعرة كالرازي، بل زعم أنّ أكثر المفسّرين زعموا أنّه في حقّ الاُمّة(1).
والجواب: إنّ الإماميّة إنّما يستدلّون بإجماع المفسّرين من أهل السنّة، على نزول الآية المباركة في قضيّة أمير المؤمنين عليه السلام، اعتماداً على إقرار غير واحد من أكابر القوم بذلك:
اعتراف القاضي العضد
فمنهم: القاضي عضدالدين الإيجي(2)، المتوفّى سنة 756، في كتابه المشهور: المواقف في علم الكلام(3)، فقد قال في معرض الإستدلال بالآية:
«وأجمع أئمّة التفسير أنّ المراد عليّ»(4).
اعتراف الشريف الجرجاني
ومنهم: الشريف الجرجاني(5)، المتوفّى سنة 816، فقد قال بشرح المواقف(6):
«وقد أجمع أئمّة التفسير على أنّ المراد بـ : (الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ)إلى قوله تعالى: (وَهُمْ راكِعُونَ) عليّ، فإنّه كان في الصلاة راكعاً، فسأله سائل فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية»(7).
اعتراف التفتازاني
ومنهم: سعدالدين التفتازاني(8) المتوفّى سنة 793، فقد قال في شرح المقاصد(9):
«نزلت باتّفاق المفسّرين في علي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته»(10).
اعتراف القوشجي
ومنهم: القوشجي السمرقندي، وهو: علاء الدين علي بن محمّد الحنفي، المتوفّى سنة 879 .
قال قاضي القضاة الشوكاني بترجمته:
«علي بن محمّد القوشجي. بفتح القاف وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها جيم وياء النسبة، ومعنى هذا اللفظ بالعربية: حافظ البازي، وكان أبوه من خدّام ملك ما وراء النهر، يحفظ البازي.
قرأ على علماء سمرقند ثمّ رحل إلى الروم، وقرأ على القاضي زاده الرومي، ثمّ رحل إلى بلاد كرمان فقرأ على علمائها وسود هنالك شرحه للتجريد… ولمّا قدم قسطنطينيّة أوّل قدمة تلقّاه علماؤها… وله تصانيف منها شرح التجريد الذي تقدّمت الإشارة إليه، وهو شرح عظيم سائر في الأقطار كثير الفوائد… وهو من مشاهير العلماء»(11).
وذكر شرحه على التجريد في كشف الظنون، حيث قال تحت عنوان تجريد الكلام:
«وهو كتاب مشهور، اعتنى عليه الفحول، وتكلّموا فيه بالردّ والقبول، له شروح كثيرة وحواش عليها» إلى أن قال: «ثمّ شرح المولى المحقّق علاء الدين علي بن محمّد الشهير بقوشجي ـ المتوفّى سنة 879 ـ شرحاً لطيفاً ممزوجاً… وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد»، ثمّ ذكر كلامه في ديباجته، ثمّ قال: «وإنّما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن، وفضل الشرح والشارح»، ثمّ ذكر الحواشي على هذا الشرح الجديد، بما يطول ذكره، فراجع(12).
وهذه عبارة القوشجي في نزول الآية المباركة: وبيان دلالتها على الإمامة لأمير المؤمنين:
«بيان ذلك: إنّها نزلت باتّفاق المفسّرين في حقّ علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته…» ثمّ إنّه ـ وإن حاول المناقشة في الإستدلال ـ لم ينكر اتّفاق المفسّرين على نزولها في الإمام عليه السلام، فراجع(13).
هذا، ومن ناحية أُخرى، فقد نصّ الشهاب الآلوسي على أنّ هذا القول «عليه غالب الأخباريين»(14).
فإذا كان هذا القول «عليه إجماع المفسّرين» و«غالب الأخباريين» ـ بغضّ النظر عن صحّة غير واحد من أسانيد الخبر، حتّى أنّ مثل ابن كثير قد اعترف بقوّة بعض وسكت عن القدح في بعض ما أورد منها ـ فأي وقع لإنكار مثل الدهلوي الهندي؟! فضلاً عن تكذيب مثل ابن تيميّة لأصل الأخبر، ودعوى أنّ جمهور الاُمّة لم تسمع هذا الخبر؟! وأنّه أجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المرويّة في ذلك من الكذب الموضوع.
وبهذا يظهر سقوط التمسّك بمخالفة مثل عكرمة الخارجي ـ على فرض صحّة النّسبة ـ مع ما سيأتي في ترجمة هذا الرجل في آية المباهلة.
وأيضاً: لا قيمة لنقل مثل النقّاش، مضافاً إلى تكلّمهم فيه وفي تفسيره، كما لا يخفى على المطّلع الخبير!!
(1) تفسير الرازي 11 / 25.
(2) وصفوه بتراجمه بأوصاف ضخمة: «قاضي قضاة الشرق» و«شيخ العلماء» و«شيخ الشافعية» قالوا: «كان إماماً في المعقولات، محقّقاً، مدقّقاً، قائماً بالاُصول والمعاني والعربية، مشاركاً في الفقه وغيره من الفنون»… «أنجب تلاميذ اشتهروا في الآفاق».
الدرر الكامنة 2 / 3 / 32، البدر الطالع 1 / 326، شذرات الذهب 6 / 174، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ 2 / 179، بغية الوعاة: 296.
(3) قال في كشف الظنون 2 / 1891: «المواقف في علم الكلام، وهو كتاب جليل القدر، رفيع الشأن، اعتنى به الفضلاء، فشرحه السيّد الشريف، وشرحه شمس الدين محمّد بن يوسف الكرماني…» ثمّ ذكر الشروح والحواشي عليها… قال: «وهي كثيرة جدّاً».
وقال الشوكاني ـ بترجمة الإيجي: «له: المواقف في علم الكلام ومقدّماته، وهو كتاب يقصر عنه الوصف، لا يستغني عنه من رام تحقيق الفنّ»
ولاحظ أيضاً كلمات الشريف الجرجاني في وصف المواقف في مقدّمة شرحه.
(4) المواقف في علم الكلام: 405.
(5) وصفوه بـ : «عالم بلاد الشرق»… «كان علاّمة دهره»… «صار إماماً في جميع العلوم العقلية وغيرها، متفرّداً بها، مصنّفاً في جميع أنواعها، متبحّراً في دقيقها وجليلها، وطار صيته في الآفاق، وانتفع الناس بمصنّفاته في جميع البلاد، وهي مشهورة في كلّ فنّ، يحتجّ بها أكابر العلماء وينقلون منها، ويوردون ويصدرون عنها» فذكروا فيها شرح المواقف.
انظر: الضوء اللامع 5 / 328، البدر الطالع 1 / 488، الفوائد البهيّة: 125، بغية الوعاة: 351، مفتاح السعادة 1 / 167، وغيرها.
(6) انظر: كشف الظنون 2 / 1891.
(7) شرح المواقف في علم الكلام 8 / 360.
(8) قال الحافظ ابن حجر: «الإمام العلاّمة، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها، أخذ عن القطب والعضد، وتقدّم في الفنون، واشتهر ذكره وطار صيته، وانتفع الناس بتصانيفه، وكان في لسانه لكنّه، وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق» الدرر الكامنة 4 / 350. وكذا قال السيوطي وابن المعاد والشوكاني وأضاف: «وبالجملة، فصاحب الترجمة متفرّد بعلومه في القرن الثامن، لم يكن له في أهله نظير فيها، وله من الحظ والشهرة والصيت في أهل عصره فمن بعدهم ما لا يلحق به غيره، ومصنّفاته قد طارت في حياته إلى جميع البلدان، وتنافس الناس في تحصيلها…» البدر الطالع 2 / 303، بغية الوعاة: 391، شذرات الذهب 6 / 319.
(9) ذكره صاحب كشف الظنون 2 / 1780 فقال: المقاصد في علم الكلام… وله عليه شرح جامع» ثمّ ذكر بعض الحواشي عليه.
(10) شرح المقاصد في علم الكلام 5 / 170.
(11) البدر الطالع 1 / 495 ـ 496.
(12) كشف الظنون 1 / 348 ـ 350.
(13) شرح تجريد الإعتقاد: 368.
(14) روح المعاني 6 / 168.