بل إن هذا مما يطعن به عليه كلّ ديّن عارف بمقام النبوة، محبّ للنبي صلّى اللّه عليه وآله، متعبّد بأوامره ونواهيه… والأحاديث كلّها في كتب القوم وهي صحيحة، وليس للشيعة دخل في روايتها أو تدوينها… .
وبعد، فهل هناك سبيل لإنكار منع عمر من كتابة الكتاب، وكونه سبباً لحرمان الأمة بل سائر الناس من خير ذلك الكتاب؟
لقد أحسن الحافظ ابن حزم حيث قال بعد إيراد الحديث: «هذه زلّة العالم التي حذّر منها الناس قديماً، وقد كان في سابق علم اللّه تعالى أن يكون بيننا الاختلاف، وتضلّ طائفة وتهتدي بهدى اللّه أخرى، فلذلك نطق عمر ومن وافقه بما نطقوا به، ممّا كان سبباً إلى حرمان الخير بالكتاب الذي لو كتبه لم يضلّ بعده»(1).
لكنه أخطأ لو أراد الجبر!
وعلى الجملة، ففي هذه القضيّة عدّة طعون:
منها: نسبته النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى الهجر وهذا هو الكفر، واللّه تعالى يقول: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُول كَريم * ذي قُوَّة عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكين * مُطاع ثَمَّ أَمين * وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُون)(2) ويقول (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُول كَريم * وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِر قَليلاً ما تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كاهِن قَليلاً ما تَذَكَّرُونَ * تَنْزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمينَ)(3) ويقول: (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَديدُ الْقُوى)(4).
ومنها: منعه من كتابة الكتاب قائلاً: «حسبنا كتاب اللّه» ردّ صريحٌ على اللّه والرسول، قال اللّه تعالى: (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(5) وقال: (وَمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ)(6) وقال: (وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أَبَدًا…)(7).
ومنها: كونه السبب في حرمان الأمة من خير ذلك الكتاب، وفي ضلال من ضلّ أو بقاء من كان ضالاً على ضلالته، إلى يوم القيامة.
ومنها: إن النبي صلّى اللّه عليه وآله طرد عمر وأتباعه من حضرته قائلاً: «قوموا عنّي» ومن كان مطروداً من النبي صلّى اللّه عليه وآله كيف يليق لأن يقوم مقامه من بعده؟
ومنها: إنه وأصحابه قد آذوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فشملهم قوله عز وجل: (إِنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذابًا مُهينًا)(8).
وكلّ واحد من وجوه الطعن هذه وغيرها، يكفي دليلاً لعدم أهليّة الرجل للإمامة والخلافة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، ولذا، فقد اختلفت الكلمات القوم في هذا المورد وتناقضت.
(1) إحكام الأحكام 7 / 984.
(2) سورة التكوير: 19 ـ 22.
(3) سورة الحاقة: 40 ـ 43.
(4) سورة النجم: 2 ـ 5 .
(5) سورة الحشر: 7.
(6) سورة النساء 80 .
(7) سورة الجن: 23.
(8) سورة الأحزاب: 57.