والآن… فانظر ماذا يقول المدافعون عن عمر، المبرّرون لأفعاله؟
أجاب قاضي القضاة: بأن الأمور الظاهرة لايجوز أن يعترض عليها بأخبار آحاد غير صحيحة، والأمر في الشورى ظاهر وأن الجماعة دخلت فيها بالرضا، ولا يجب القدح في الأفعال بالظنون، بل يجب حملها على ظاهر الصّحة دون الاحتمال، كما يجب مثله في الألفاظ، ويجب إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي حسن الظن به أن يحمل فعله على ما يطابقها. وقد علمنا أن حال عمر وما كان عليه من النصيحة للمسلمين يمنع من صرف أمره في الشورى إلى الأغراض التي يظنّها القوم.
أقول: هذا موجز كلامه(1)، ومحصّله حمل فعل عمر على الصحّة لحسن الظنّ به.
وأجاب التفتازاني كذلك، فقد قال: «من نظر بعين الإنصاف وسمع ما اشتهر من عمر في الأطراف، علم جلالة محلّه عما تدّعيه الأعداء وبراءة ساحته عما يفتريه أهل البدع والأهواء، وجزم بأنه كان الغاية في العدل والسّداد والاستقامة على سبيل الرشاد…»(2).
وكذلك ابن روزبهان، فقد أجاب قائلاً: «إن أمر الشورى أدلّ الدلائل على تقوى عمر وخوفه من اللّه تعالى، لأنه احتاط فيه كمال الإحتياط…» ثم كذّب بعض الأخبار، كخبر قدح عمر في أصحاب الشورى واحداً واحداً لكنه قال بعد ذلك: «ثم إنا لو فرضنا صحة ما ذكر، فإنه لم يذكر المعائب القادحة للإمامة، بل هذا من مناصحة الناس، فذكر ما كان من العيوب» فرجع الأمر إلى حسن الظنّ بعمر… .
فهو ـ كالتفتازاني ـ عيالٌ على قاضي القضاة المعتزلي، بل قد صرّح هنا باسمه ووافقه على كلامه.
(1) المغني في الإمامة ج 20 ق 2 ص 21 ـ 26.
(2) شرح المقاصد 2 / 295.