فانبرى علماء القوم للدفاع عن أبي بكر وغيره، وبذلوا قصارى جهودهم في سبيل ذلك، وقد وجدت المعتزلة أكثر اهتماماً بالمسألة من الأشاعرة، إذ رأيت أن صاحبي المواقف والمقاصد لا يتعرّضان لها أصلاً، وقد يشهد ذلك بعدم اقتناعهم بما قيل في مقام الدفاع عن أبي بكر! وكيف كان، فإن الأصل في ذلك هم المعتزلة، وقد ذكروا وجوهاً عديدةً:
أحدها: إن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة، وحكي عن أبي علي الجبائي الاستدلال لذلك بأن النبي ولاّه الصّلاة في مرضه.
والثاني: إن الأمر لا يلزم الفور، فلا يلزم من تأخّر أبي بكر عن النفوذ أن يكون عاصياً.
والثالث: إن الأمر بإنفاذ جيش اسامة لابدّ وأن يكون مشروطاً بالمصلحة، وبأن لا يعرض ما هو أهمّ منه، لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالنفوذ وإن أعقب ضرراً في الدّين.
والرابع: إن الرسول صلّى اللّه عليه وآله إنما يأمر بما يتعلّق بمصالح الدنيا من الحروب وغيرها عن اجتهاده، وليس بواجب أن يكون ذلك عن وحي…(1).
وأمثال ذلك من الوجوه التي هي في الواقع معاذير.
والعمدة هو الوجه الأوّل.
ومن هنا، فقد اهتمّ به ابن تيمية كثيراً، وجعل يكرر الإنكار مراراً ويكذّب بالخبر تكراراً، من ذلك قوله ـ في هذا الموضع ـ : «والجواب: إن هذا من الكذب المتفق على أنه كذب عند كلّ من يعرف السيرة، ولم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش أسامة، وإنما روي ذلك في عمر. وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة وقد استخلفه يصلّي بالمسلمين مدّة مرضه…»(2).
فهو لا يكذّب فقط، بل يدّعي إجماع علماء النقل، ويقول بأنه من الكذب الذي يعرفه من له أدنى معرفة بالحديث… وهكذا الكلمات الأخرى.
(1) المغني في الامامة ج 20 ق 1 ص 346 ـ 349.
(2) هذا كلامه هنا ج 5 ص 486، وانظر: 4 / 276، 5 / 491، 6 / 320، 8 / 292 ـ 293.