أجاب القاضي عبد الجبّار: إنه لو سلّم، إنه لم يولّه لحاجته إليه بحضرته، وإن ذلك رفعة له، ولو كان للعمل على تركه فضل، لكان عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما أفضل من أكابر الصحابة لأنه ولاّهما.
ثم ادّعى أن ولاية أبي بكر على الموسم والحج قد ثبتت بلا خلاف، ولم يصح أنه عزله. ولا يدلّ رجوعه إلى النبي مستفهماً على العزل.
وحكى عن أبي علي في أخذ سورة البراءة منه: إن من عادة العرب أن سيّداً من سادات قبائلهم، إذا عقد عقد القوم، فإن ذلك العقد لا ينحلّ إلا أن يحلّه هو أو بعض سادات قومه… .
ثم ادّعى أنه قد ولاّه الصّلاة في حال مرضه، وذلك أشرف الولايات(1).
وقال ابن تيمية: «والجواب: هذا من أبين الكذب، فإنه من المعلوم المتواتر عند أهل التفسير والمغازي والسير والحديث والفقه وغيرهم: إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم استعمل أبا بكر على الحج عام تسع… وفيها أمر أبا بكر بالمناداة في الموسم أن لا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ولم يؤمّر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم غير أبي بكر على مثل هذه الولاية. فولاية أبي بكر كانت من خصائصه… ولم يستخلف على الصّلاة أحداً كاستخلاف أبي بكر… .
وأما قول الرافضي: إنه لما أنفذه ببراءة ردّه… فهذا من الكذب المعلوم أنه كذب. فإن النبي لمّا أمر أبا بكر على الحج ذهب كما أمره، وأقام الحج في ذلك العام، عام تسع للناس، ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج… .
وكان بين النبي والمشركين عهود مطلقة… قالوا: وكان من عادة العرب أن لا يعقد العهود ولا يفسخها إلا المطاع أو رجل من أهل بيته، فبعث عليّاً لأجل فسخ العهود…»(2).
وقال في شرح المواقف: «قلنا: لا نسلّم أنه لم يولّه شيئاً، بل أمّره على الحجيج سنة تسع من الهجرة بعد فتح مكة في رمضان سنة ثمان. وأمره بالصّلاة بالناس في مرضه الذي توفّي فيه. وإنما أتبعه عليّاً في تلك السنة بعد خروجه من المدينة، لأن عادة العرب في أخذ العهود ونبذها أن يتولاّه الرجل بنفسه أو أحد من بني عمّه، ولم يعزله عمّا ولاّه من أمر الحجيج. قولهم: عزله عن الصّلاة، كذب، وما نقلوه فيه مختلق…»(3).
وقال ابن روزبهان ـ في جواب العلاّمة ـ إنه تولّى الحج في سنة تسع من الهجرة. وأما بعث علي بقراءة سورة براءة ونبذ العهود… .
ثم جعل يسبّ العلاّمة ويشتمه كما يفعل السّوقة(4).
(1) المغني في الامامة ج 20 ق 1 ص 350 ـ 351، ملخّصاً.
(2) منهاج السنّة 4 / 493.
(3) شرح المواقف 8 / 356.
(4) انظر: دلائل الصّدق 3 / 34.