أجاب قاضي القضاة: بأنه قد نقل أن عثمان لما عوتب على ذلك ذكر أنه استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
اعترضه المرتضى: بأن قول قاضي القضاة هذا لم يسمع من أحد، ولا نقل في كتاب، ولا يعلم من أين نقله القاضي، أو في أي كتاب وجده، فإن الناس كلّهم رووا خلافه. قال الواقدي، من طرق مختلفة وغيره: إن الحكم بن أبي العاص لما قدم المدينة بعد الفتح، أخرجه النبي صلّى اللّه عليه وآله إلى الطائف وقال: لا يساكنني في بلد أبداً، لأنه كان يتظاهر بعداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، والوقيعة فيه، حتى بلغ به الأمر إلى أنه كان يعيب النبي في مشيه، فطرده النبي وأبعده ولعنه، ولم يبق أحد يعرفه إلا بأنه طريد رسول اللّه، فجاء عثمان إلى النبي، وكلّمه فيه فأبى، ثم جاء إلى أبي بكر وعمر، زمن ولايتهما، فكلّمهما فيه، فأغلظا عليه القول وزبراه، وقال له عمر: يخرجه رسول اللّه، وتأمرني أن أدخله، واللّه لو أدخلته لم آمن من قول قائل: غير عهد رسول اللّه، وكيف أخالف رسول اللّه، فإياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم.
فكيف يحسن من القاضي هذا العذر، وهلاّ اعتذر به عثمان عند أبي بكر وعمر، وسلم من تهجينهما إيّاه، وخلص من عتابهما عليه، مع أنه لما ردّه جاءه علي عليه السلام، وطلحة والزبير، وسعد، وعبدالرحمن بن عوف، وعمار بن ياسر، فقالوا: «إنك أدخلت الحكم ومن معه، وقد كان النبي صلّى اللّه عليه وآله أخرجهم، وإننا نذكّرك اللّه، والإسلام، ومعادك، فإن لك معاداً ومنقلباً، وقد أبت ذلك الولاة قبلك، ولم يطمع أحد أن يكلّمهما فيهم، وهذا شيء نخاف اللّه فيه عليك»… .
فقال عثمان: إن قرابتهم مني ما تعلمون، وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أخرجه لكلمة بلغته عن الحكم، ولن يضرّكم مكانهم شيئاً، وفي الناس من هو شرّ منهم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا أحد شرّ منه ولا منهم، ثم قال: هل تعلم عمر يقول: «واللّه ليحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس؟ واللّه لئن فعل ليقتلنه»؟ فقال عثمان: ما كان منكم أحد يكون بينه وبينه من القرابة ما بيني وبينه، وينال في المقدرة ما نلت، إلا كان سيدخله، وفي الناس هو شرّ منه. فغضب علي وقال: «واللّه، لتأتينا بشر من هذا إن سلمت، وسترى يا عثمان غبّ ما تفعل».
فهلاّ اعتذر عند علي ومن معه بما اعتذر به القاضي».
Menu