* فلنورد أوّلاً ملخّص كلام القاضي عبدالجبّار المعتزلي في الإعتراض على الإستدلال بالآية، فإنّه قال: «إعلم أنّ المتعلّق بذلك لا يخلو من أن يتعلَّق بظاهره أو باُمور تقارنه، فإنْ تعلّق بظاهره فهو غير دالّ على ما ذكر، وإنْ تعلّق بقرينة فيجب أن يبيّنها، ولا قرينة من إجماع أو خبر مقطوع به. فإن قيل: ومن أين أن ظاهره لا يدل على ما ذكرناه؟ قيل له: إنّه تعالى ذكر الجمع، فكيف يحمل على واحد معين؟ وقوله: (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) لو ثبت أنّه لم يحصل إلاّ لأمير المؤمنين، لم يوجب أنّه المراد بقوله: (وَالَّذينَ آمَنُوا) ولأنّ صدر الكلام إذا كان عامّاً لم يجب تخصيصه لأجل تخصيص الصفة. ومن أين أن المراد بقوله: (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ما زعموه دون أن يكون المراد به أنّهم يؤتون الزكاة وطريقتهم التواضع والخضوع. وليس من المدح إيتاء الزكاة مع الإشتغال بالصلاة، لأنّ الواجب في الراكع أنْ يصرف همّته ونيّته إلى ما هو فيه ولا يشتغل بغيره. قال شيخنا أبو هاشم يجب أن يكون المراد بذلك: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة الواجبتين دون النفل… والذي فعله أمير المؤمنين كان من النفل… .
فإنْ صحّ أنّه المختصّ بذلك، فمن أين أنّه يختص بهذه الصفة في وقت معين ولا ذكر للأوقات فيه، وقد علمنا أنّه لا يصح أن يكون إماماً مع الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فلا يصحّ التعلّق بظاهره، ومتى قيل: إنّه إمام من بعد في بعض الأحوال، فقد زالوا عن الظاهر، وليسوا بذلك أولى ممّن يقول: إنّه إمام في الوقت الذي ثبت أنّه إمام فيه.
هذا لو سلّمنا أنّ المراد بالولي ما ذكروه، فكيف وذلك غير ثابت، فلابدّ من أن يكون محمولاً على تولّي النصرة في باب الدين، وذلك ممّا لا يختص بالإمامة، ولذلك قال من بعد (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ).
وقد ذكر شيخنا أبو علي أنّه قيل إنّها نزلت في جماعة من أصحاب النبي… والذين وصفهم في هذا الموضع بالركوع والخضوع هم الذين وصفهم من قبل بأنّه يذلّ المرتدّين بهم بقوله: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنينَ)وأراد به طريقة التواضع (أَعِزَّة عَلَى الْكافِرينَ…).
وقد روي أنّها نزلت في عبادة بن الصّامت…»(1).
أقول:
أوّلاً: هذا الكلام قد ردّ عليه بالتفصيل في كتاب (الشافي) و(الذخيرة) و(تلخيص الشافي).
وثانياً: لك أنْ تقارن بين هذا الكلام وبين كلمات المتأخّرين عنه من الأشاعرة.
* فالفخر الرازي، إذا راجعت كلامه في (تفسيره)(2) وجدته عيالاً على القاضي المعتزلي، إذ كرّر هذه الشبهات من غير أنْ يشير إلى أجوبة السيّد المرتضى وغيره عليها!!
والقاضي العضد الإيجي أجاب قائلاً: «والجواب: أنّ المراد هو الناصر، وإلاّ دلّ على إمامته حال حياة الرسول، ولأنّ ما تكرّر فيه صيغ الجمع كيف يحمل على الواحد، ولأنّ ذلك غير مناسب لما قبلها وما بعدها»(3).
(1) المغني في الإمامة ج 20 ق 1 / 133.
(2) تفسير الرازي: 11 / 25.
(3) شرح المواقف 8 / 360.