* و عبدالعزيز الدهلوي ـ الذي انتحل كلامه الآلوسي في (تفسيره) وتبعه صاحب (مختصر التحفة الإثنى عشرية) ـ أجاب عن الإستدلال أوّلاً: بالإجمال، وحاصله النقض بإمامة سائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام، قال: «إنّ هذا الدليل كما يدلّ على نفي إمامة الأئمّة المتقدمين كما قرّر، يدلّ كذلك على سلب الإمامة عن المتأخرين بذلك التقرير بعينه، فلزم أن السبطين ومن بعدهما من الأئمّة الأطهار لم يكونوا أئمّة، فلو كان استدلال الشيعة هذا يصح لفسد تمسّكهم بهذا الدليل، إذ لا يخفى أنّ حاصل هذا الاستدلال بما يفيد في مقابلة أهل السنّة مبني على كلمة الحصر، والحصر كما يضرّ أهل السنّة يكون مضرّاً للشيعة أيضاً، فإن أجابوا عن النقض بأنّ المراد حصر الولاية في الأمير كرّم اللّه وجهه في بعض الأوقات، أعني وقت إمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي اللّه تعالى عنهم. قلنا: فمرحباً بالوفاق.
وأجاب عن الإستدلال ثانياً بالتفصيل، وهو في وجوه:
الأوّل: إنّا لا نسلّم الإجماع على نزول الآية في الأمير، فروى أبو بكر النقاش صاحب التفسير المشهور عن محمّد الباقر رضي اللّه تعالى عنه أنّها نزلت فى المهاجرين والأنصار، فقيل: قد بلغنا ـ أو: يقول الناس ـ أنّها نزلت في علي كرّم اللّه تعالى وجهه، فقال: هو منهم، وروى جمع من المفسّرين عن عكرمة أنّها نزلت في شأن أبي بكر.
وأمّا نزولها في حق علي ورواية قصة السائل وتصدّقه عليه في حال الركوع فإنّما هو للثعلبي فقط، وهو متفرد به، ولا يعدّ المحدّثون من أهل السنّة روايات الثعلبي قدر شعيرة ولقّبوه بـ«حاطب ليل» فإنّه لا يميّز بين الرطب واليابس، وأكثر رواياته في التفسير عن الكلبي(1) عن أبي صالح، وهي أوهى ما يروى في التفسير عندهم. وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان في حال الكلبي إنّه كان من أتباع عبداللّه بن سبأ… وينتهي بعض روايات الثعلبي إلى محمّد بن مروان السدّي الصغير، وهو كان رافضيّاً غالياً… .
والثاني: إنّا لا نسلّم أنّ المراد بالولي المتولّي للاُمور والمستحق للتصرّف فيها تصرّفاً عاماً، بل المراد به الناصر، وهو مقتضى السياق.
والثالث: إنّه لو سلّم أنّ المراد ما ذكروه، فلفظ الجمع عام أو مساو له، كما ذكره المرتضى في الذريعة وابن المطهّر في النهاية، والعبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السبب، وليست الآية نصّاً في كون التصدّق واقعاً في حال ركوع الصلاة، لجواز أنْ يكون الركوع بمعنى التخشّع والتذلّل، لا بالمعنى المعروف في عرف أهل الشرع، وليس حمل الركوع في الآية على غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة على مثل ذلك التصدّق، وهو لازم على مدّعى الإماميّة قطعاً.
وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدّس سرّه عن أصل الإستدلال، بأنّ الدليل قام في غير محلّ النزاع، وهو كون علي كرّم اللّه تعالى وجهه إماماً بعد رسول اللّه من غير فصل، لأنّ ولاية الذين آمنوا على زعم الإماميّة غير مرادة في زمان الخطاب، لأنّ ذلك عهد النبوّة والإمامة نيابة، فلا تتصوّر إلاّ بعد انتقال النبي، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً تعيّن أنْ يكون المراد الزمان المتأخّر عن زن الإنتقال، ولا حدّ للتأخير، فليكنْ ذلك بالنسبة إلى الأمير بعد مضي زمان الأئمّة الثلاثة، فلم يحصل مدّعي الإمايّه.
(قال): ولو تنزّلنا عن هذه كلّها لقلنا: إنّ هذه الآية معارضة بالآيات الناصّة على خلافة الخلفاء الثلاثة»(2).
(1) تصحّف «الكلبي» إلى «الكليني» في مختصر التحفة الإثني عشرية.
(2) التحفة الإثنا عشرية: 198، وانظر مختصر التحفة الإثني عشرية: 157 وقارن بتفسير الآلوسي: روح المعاني 6 / 167 ـ 169.