وأمّا قضيّة عثمان وما فعله بعمّار، فثابتة كذلك في كتب القوم، وهي من جملة ما أنكره الناس على عثمان، وإليك بعض الكلمات:
قال ابن قتيبة: «ما أنكر الناس على عثمان رحمه اللّه ـ قال: وذكروا أنه اجتمع ناس من أصحاب النبي عليه السلام، فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنّة رسول اللّه وسنّة صاحبيه… ثم تعاهد القوم، ليدفعنّ الكتاب في يد عثمان، وكان ممن حضر الكتاب عمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود، وكانوا عشرة، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان ـ والكتاب في يد عمار ـ جعلوا يتسلّلون عن عمّار حتى بقي وحده، فمضى حتى جاء دار عثمان، فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات، فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أميّة، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرّقوا فرقاً منك قال: ومن هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت عليّ من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين، إن هذا العبد الأسود ـ يعني عماراً ـ قد جرّأ عليك الناس وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه.
قال عثمان: إضربوه. فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه، فجرّوه حتى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أم سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأدخل منزلها.
وغضب فيه بنو المغيرة وكان حليفهم، فلمّا خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال: أما واللّه لئن مات عمار من ضربه هذا، لأقتلنّ به رجلاً عظيماً من بني أميّة، فقال عثمان: لست هناك»(1).
وقال ابن عبد ربّه: «ومن حديث الأعمش ـ يرويه أبو بكر بن أبي شيبة ـ قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة، فقالوا: من يذهب بها إليه؟ فقال عمار: أنا، فذهب بها إليه، فلما قرأها قال: أرغم اللّه أنفك، قال: وبأنف أبي بكر وعمر، قال: فقام إليه فوطئه حتى غشي عليه.
ثم ندم عثمان وبعث إليه طلحة والزبير يقولان: إختر احدى ثلاث، إمّا أن تعفو وإمّا أن تأخذ الأرش وإما أن تقتص، فقال: واللّه لاقبلت واحدة منها حتى ألقى اللّه. قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح فقال: ما كان على عثمان أكثر مما صنع»(2).
وقال المسعودي: «وفي سنة خمس وثلاثين، كثر الطعن على عثمان رضي اللّه عنه، وظهر عليه النكير، لأشياء ذكروها من فعله، منها: ما كان بينه وبين عبد اللّه بن مسعود وانحراف هذيل عن عثمان من أجله، ومن ذلك ما نال عمار بن ياسر من الفتق والضرب وانحراف بني مخزوم عن عثمان من أجله…»(3).
وقال ابن عبد البر: «وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه ياسر، كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب، حتى انفتق له فتق في بطنه ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: واللّه لئن مات لاقتلنا به أحداً غير عثمان»(4).
وقال اليعقوبي: «فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتى توفي، وصلّى عليه عمار بن ياسر وكان عثمان غائباً، فستر أمره، فلما انصرف رأى القبر، فقال قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد اللّه بن مسعود، قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولي أمره عمّار بن ياسر، وذكر أنه أوصى أن لا يخبر به، ولم يلبث إلا يسيراً حتى مات المقداد، فصلّى عليه عمار، وكان أوصى إليه ولم يؤذن عثمان به، فاشتدّ غضب عثمان على عمّار وقال: ويلي على ابن السوداء، أما لقد كنت به عليماً»(5).
وروى الطبري وابن الأثير في قصّة مسير الحسن عليه السلام وعمّار رضي اللّه عنه إلى الكوفة ـ واللّفظ للأوّل: «فأقبلا حتى دخلا المسجد، فكان أوّل من أتاهما مسروق بن الأجدع، فسلّم عليهما وأقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان، على ما قتلتم عثمان رضي اللّه عنه؟ قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا، فقال: واللّه ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لكان خيراً للصابرين»(6).
وفي (النهاية) و (تاج العروس) و (لسان العرب) في مادة «صبر»: «وفي حديث عمار حين ضربه عثمان، فلما عوتب في ضربه إياه قال: هذي يدي لعمار فليصطبر. معناه: فليقتص».
(1) الإمامة والسياسة 1 / 50 ـ 51 .
(2) العقد الفريد 2 / 192.
(3) مروج الذهب 2 / 338.
(4) الاستيعاب 3 / 1136.
(5) تاريخ اليعقوبي 2 / 170 ـ 171.
(6) الطبري 3 / 497، الكامل 3 / 227 ـ 228.